أحد رموز النظام وابن عم الرئيس يكتب : تصريح الرئيس بخروجه من السلطة أراحني

ثلاثاء, 13/03/2018 - 19:32

كنت من بين أوائل مواطني هذا البلد الذين ساندوا محمد ولد عبد العزيز ، خلال المنعطفات الكبرى من حياتنا السياسية سنة 2005 ، 2008 و 2009 وأخيرا 2014 و في كل مرة كانت عريضتنا التفاهمية قائمة على رؤية واضحة : برنامج محدد المعالم ، يتمحور في الأساس حول التنمية الاقتصادية للبلد، وتطوير الديمقراطية والحريات ، و العدالة الاجتماعية، و المساواة، و الإنصاف، و احترام المال العام، و المؤسسات الديمقراطية ، و الإشعاع الخارجي لموريتانيا، وحماية استقلالها.

تتباين الآراء بطبيعة الحال حول حصيلة انجازات الرجل في جميع هذه الميادين. و لحسن الحظ، هذا الاختلاف في المواقف، الذي وجد تشجيعا في السنوات الأخيرة من خلال انفتاح ديمقراطي كبير، دليل على النضج المتنامي لرأي عام تعلم الامتثال وكذا التعبير عن عدم رضاه ومعارضته ، فالتمكن من صياغة رأي عام عملية تمرن صعبة، و شاقة، وطويلة الأمد لكنها واعدة ببناء شخصية، ووعي، ومسؤولية وفق بصيرة.

أعتقد شخصيا أن هذا لا ينقص شيء من المكاسب وحصيلة انجازات الرئيس عزيز، لكن يمنح الفرصة لوقفة مع الذات وإعادة هيكلة على ضوء نقد مسؤول وشرعي وبعيدا عن كل انتقام.

حصيلة انجازات الرئيس ليست هدفي في الوقت الحالي فلم يحن وقتها بعد، بل الإجماع المنقطع النظير ، لجميع الفاعلين السياسيين وجميع سفارات العالم، إثر قراره عدم الترشح لمأمورية ثالثة هي حديث شؤون الساعة. ما قام به محمد ولد عبد العزيز في أكتوبر 2016 وتم تأكيده في نهاية فبراير 2018 في مجلة "جون أفريك" أراحني كثيرا مهما قيل عن قناعتي بأن للرجل كفاءة في إستشراف الأحداث السياسية.

ساعات قليلة بعد حدث 2016 نشرت مقالا عن وجاهة هذا القرار ، الذي حسب وجهة نظري موقف يستحق الثناء، كان بالإمكان أن تعترض عقبات كثيرة هذه الخطوة ، لو أخذنا بعين الاعتبار العوامل المسهلة في بلد مثل بلدنا ومحيط دولي يغلب بشكل كامل الذرائع المتعلقة بمحاربة الإرهاب، والاستقرار الجيواستراتيجي، والمصالح الاقتصادية ذات الأولوية، ليغض الطرف عن انتهاكات دستورية خطيرة و يمكن أن نستند إلى أحداث قريبة جرت في بلدان افريقية مختلفة.

فاجأ الرئيس عزيز حلفاءه كما فاجأ معارضيه فلم يتنبأ أحد في صف الأغلبية ، بينما في صف المعارضة أزمة الثقة قائمة بين زعماء هذه المعارضة والرئيس محمد ولد عبد العزيز ، الذي أوقعهم في شك سرمدي حول أي فعل أو كلام للرئيس الموريتاني.

حيرة البعض وتردد الآخرين خلفت مناخا ملوثا، زادت من حدته بعض التصريحات، ومناورات صاخبة وعديمة التأثير ، تسبح عكس الدستور، وتصريحات رئيس الجمهورية.

هذه المناورات مرفوضة أخلاقيا وقانونيا، ويمكن أن تعتبر تحريضا على انتهاك النصوص الأساسية للبلد. التحفظات والانتقادات التي يوجهها الرأي العام لنظرة استحسان الرئيس لهذه المساعي مفهومة بقدر ما قد تكون الفرضية المسوغة لهذا الفعل الذي دافعه الرغبة في عدم التفريط في مستقبل قريب، وعدم استئصال الحبل السري مع داعمين ، المشروع السياسي العزيزي في أمس الحاجة إليهم، بغض النظر في النهاية عن الملامح المستقبلية للنظام ونظام الحكم.

في المقابل كان بالإمكان لهذه المساعي أن تكون مستوعبة لو أن أصحاب هذه التصريحات والمسيرات قاموا باسم الشعب بحملة لمراجعة الدستور تستهدف المواد المتعلقة بالترشح لرئاسة الجمهورية في مجملها دون وضع الأصبع علي المادة الخاصة بقسم الرئيس المنتهية ولايته.و بذلك كان بالإمكان لمطالبهم أن تدمج في عريضة مطلبية توافقية يعبر عنها بإجماع جميع الفاعلين السياسيين، خلال حوار جامع، لطالما تمنيته شخصيا. للأسف إن حظوظ مشاهدة مثل هذا الحوار ينعقد تتضاءل إلى حد الانعدام، وهو سراب بات يبتعد عنا شيئا فشيئا، تاركا الموريتانيين، أو على الأقل أولائك المهمومين بالشأن العام مثلي في غم. لكن لا يتأخر الوقت أبدا على فعل الصواب، والموريتانيون سيحتفظون بالأمل إلى آخر فرصة. إن السبب الذي حدى بالرئيس إلى عدم الترشح لمأمورية ثالثة، قد يكون - ولما لا- هو نفسه الذي وراء انعقاد هذا الحوار، أو علي الأقل لقاء لا يستثني أحدا، يجمع جميع الأحزاب السياسية من الأغلبية والمعارضة، ليحددوا معا الحد الأساسي الأدنى، حزمة من الضمانات يقبلها الجميع، لتنظيم انتخابات شفافة من خلال لجنة وطنية مستقلة للانتخابات، ومجلس دستوري توافقي، ولائحة انتخابية موثوق بها، وحياد الإدارة .... وترقية مناخ اجتماعي وسياسي هادئ. هكذا فإن الانتقال نحو 2019 وما بعدها سيكون مضمونا مع أدنى حد من النجاح. و بهذا سيظهر الموريتانيون للعالم قاطبة قدرتهم على تجاوز خلافاتهم، واستكمال قطف ثمار عمل رئيس الجمهورية. هذه الإجراءات ستعزز من جهة مصداقية المعارضة التي ستكسب بذلك كفاحا طويل الأمد، كما ستحسن من صورة الرئيس في أذهان الموريتانيين، وتعلقهم بالرجل، وبمثله وإلى استدامة المشاريع الكبرى التي بدأها في جميع أنحاء البلد من جهة أخرى. وبهذا فإن أي طعن لن يكون بإمكانه أن يلطخ فوز هذا الطرف أو ذاك، كما أن الخسارة ستكون في حدود المنطق. بالعكس سنرتكب خطأ عواقبه ستبقى أبد الأبد إذا ما بقينا مهمومين باختيار تجاهل الخصم السياسي، والتقليل من شأنه، والبحث عن سحقه، وإذا ما غاب عن أذهاننا الأهم وهو صيانة المكاسب، وإرساء الديمقراطية الموريتانية على أسس سليمة ودائمة.

في المقابل فإن الميل الواضح نحو تغليب هاجس استمرار النظام من جهة، ودور الشباب من جهة أخرى في هذه المراحل الفاصلة، التي تمتاز بتزاحم الأولويات، والاستحقاقات، ومستويات من التوجهات والمقاربات، على الرغم من أنها شرعية ووجيهة تستحق أن نتوقف عندها أكثر، على أساس تحليل عميق للمطالب الوطنية قبل التناوب على السلطة. العرض في هذا المجال يجب أن لا يكون قابلا للانتقاد ويحمل أوراق النجاح فصناديق الاقتراع قد تعاقب أي خطوة خاطئة. و في ما يخص دور الشباب الذي تم التركيز عليه خلال الأيام التشاورية الأخيرة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية فإنه من المؤكد أن الأمل المعلق عليه لا حدود له، في حين أن هذه المكونة، حسب التجارب المعاشة حتى الآن، تحتم رؤية وإستراتيجية تفاعلية مع الحرس القديم المجرب والماسك للرافعات التقليدية والمالية التي لا غنى عنها، وإستراتيجية تكوين وتأطير سياسي لهذا الشباب بالموازاة مع تكليفه بالمسؤولية. بهذا يمكننا تدريجيا أن نرد على متطلبات المستقبل، مستقبل يستدعي شخصية مواطن موريتاني مثقف وحميمي اجتماعيا وسياسيا، واع بالانتماء إلى فضاء ثقافي متنوع لكنه متكامل، قادر على التمييز بين حل الوسط والوقوع في الشبهة. فالتمرن على استقلال الذهن، والاستقامة، والإخلاص للوطن واحترام المؤسسات والخواتم والرموز الوطنية سيكون صارما، فزمن استعباد الأذهان يجب أن يكون قد ولى.

الشباب سيكون هذه الماكنة وهذا الجسر اللذين عبرهما ستبنى موريتانيا خالية تماما من العيوب التي كالعبء الذي يأسرها في الماضي والخمول، في حين أن بقية العالم تعيش على وقع التحولات العلمية والتكنولوجية التي تحمل في طياتها خطر اختفاء أي مجموعات، أو كيانات أو دول تسجل تأخرا في السيطرة على هذه التحولات الكبرى. فهل ستصبح الأجيال الجديدة من الفاعلين السياسيين أكثر تجذرا في محيطها؟ هل ستتصرف بشكل أكثر فعالية وتقترح تحولات كيفية جديدة، تكون ضمانا لتقدم اقتصادي واجتماعي؟ رفع جميع هذه التحديات يمر في موريتانيا عبر وثبة وطنية توافقية، حيث يلعب كل موريتاني دوره بغض النظر عن الإثنية ، أو المكونة، أو الجيل ، أو الطيف السياسي الذي ينتمي إليهم مع إشعاره بأن له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات في نظام حكم منصف ومتساو ، مثل جميع مواطنيه. هذه هي الأهداف التي يمكن أن نتداعى إليها جميعا في هذه المرحلة، التي يبدو أنها مضطربة بفعل الشكوك السياسية المرتبطة بخلافة الرئيس، حتى يصبح الانتقال نحو ما بعد 2019 واعدا بالسلام والاستقرار والوئام الوطني، وواعدا بالأمل في بناء موريتانيا مستقلة ومزدهرة ، يحس فيها كل مواطن بالفخر ووجوده بين أهله.

 

 

لمام الشيخ، كاتب صحفي

 

أمين سابق لوزارة التهذيب الوطني