أثارت تدوينة للوزير السابق محمد فال ولد بلال نقاشا ساخنا بينه وبين عمدة جونابة محمد المصطفى ولد حبيب حيث اتهم ولد بلال الرئيس ولد عبد العزيز باتخاذ الإنجازات مطية لاكتساب الشرعية ، فيما رأى العمدة أن شرعية لم تعطها الإنجازات لا معنى لها ولن تكتسب عن طريق مجد قديم غابر .
النقاش بدأ بتدينة للوزير ولد بلال كتب فيها :
عنْ الشرعِيّة...وشرْعِيّة الإنجاز !
أكثَر كلمة تكرّرت هذا العام هي كلمة: الإنجازات! ما من أحد على امتداد التّراب الوطني كتبَ أو تكلّمَ في هذيْن العالميْن الواقعي والافتراضي إلاّ وكانَ مولعاً ومشْغُوفاً بسرْدِ إنجازات الدّولة. وبالمناسبة سألني بعض الأصدقاء الفيسبوكيّين عنْ رأيي حوْل دواعي وأسباب هذه الظاهرة؟ ماذا وراء حمّى سرد الإنجازات والتّطبيل والتغنّي بِهَا حدّ الجنون؟ ولماذا نسمع عن كلّ "إنجاز" (دُزَيْنْه) 12 من القصائد المديحيّة في الإذاعات والتلفزات والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي؛ ولا كلمة واحدة تُعطينا فِكرةً أو درساً أو حِكمةً أو تحليلا يُساعدُنا في علاج هذا المجتمع التّائه الذي بات يتفكّكُ بسرعة مُذْهلة ويَتَحَوّلُ إلى فئات وشرائح وجهات ومناطق وأعراق وقبائل وأجيال متنافِرة ؟!
أقولُ وبالله التوفيق، إنّ المسألة على صلة مباشرة بالبحث عن "الشّرعية"، زيادة على كوْنها نمط من أنماط الزّبونية المقيتة! كما تعلمون، فإنّ"الإنجاز" يُعرّفُ في الظروف العادية بأنّه "إتمام مهمّة"، أو "إكمال عمل" بما يعود بالخير والنّفع على المجتمع... وإلاّ، فلا يُعَدُّ "المُنْجَزُ" إنْجازاً؛ هذا في الظروف العاديّة...أمّا في الظروف غير العاديّة، فيتحوّل الإنجاز من مُجرّد إتمام مهمّة أو عمل إلى مصدر من مصادر "الشرعيّة"؛ وقد يلجأ إليه صاحبُ السلطة لسدّ فَرَاغ أو نقص في مجال "شرعيّته" من منظور التاريخ، والجيغرافيا، والأعراف المادّية والمعْنَوية، والمبادئ العامّة للقانون.
على سبيل المثال، إذا كان المسؤول يعلم في قرارة نفسه أنّهُ جاء بانقلاب عسكري، أو أنّه "وليد اللحظة"، أو أنّهُ "رَاحْ البارح واصْبَحْ سارِح" كما يقول المثل، ويفتقِرُ إلى البُعد التاريخي الكفيل بإضفاء الشّرعية على سلطته؛ وإذا كان يُدْركُ بأنّ الجغرافيا ليست لصالحه ولا تمنحه الشرعية الكافيّة ليكون في الواجهة؛ وإذا كان يُدركُ بأنّ العُرف لا يُساعده لأنْ يكون في المقدّمة، والعُرف هنا بمعناهُ القانوني وهو ما دَرَجَ الناسُ عليه في تنظيم علاقاتهم إلى أنْ أحَسُّوا بإلزامه، ومضى على اتّباعه أكثر من الكافي لاستقراره؛ وإذا كان يشعرُ بأنّ سلطته لا تستَنِدُ إلى الكثير من القواعد غير المكتوبة التي تُسَمّى بالمبادئ العامّة للقانون؛ وإذا كان يعلم بأنّ الانتخابات لا تكفي لإعطاء "الشرعية" لسلطة "مُنْتَخَبَة" في غياب الشفافية والعدالة؛
إذا ما أدْرَك المسؤولُ هذه النواقص والثغرات كلّها... قَفَزَ حتْماً والتَجَأ إلى البحث عن "شرعية الانجاز" ليقول للنّاس: نعم، إنْ كانَ التاريخ ليس معي... والجغرافيا ليست معي... والأعراف والعادات وغير ذلك من قوانين غير مكتوبة ليست معي...إلاّ أنّني أنْجَزْتُ لكم، وبنيتُ، وشيّدْتُ، وأسقيْتُ، وأطعَمْتُ، وعيّنْتُ، وأعطيْتُ، إلخ... وفي هذا السياق، لا بُدّ وأنْ يتكرّر الهتاف والضجيج بالإنجازات، الإنجازات، الإنجازات...والهدفُ واضح، وهو اكتسابُ شرعيّة لم تكن موجودة في بداية المطاف! ولكنّ المعنى لا يُشترى بإنجازات الدنيا كلّها، ولا يُفرض بالشعارات!
ومع ذلك، لا أحد يستطيع أنْ يُقَلّل من أهميّة الإنجازات. فإنّها قد تساعدُ على بناء "الشرعيّة" إنْ دامت وتمدّدت؛ وقد تكونُ سبَبا لفُقدانها إن قلّت أو قَصرَت. المثلُ يقول: سيّدُ القوْم خادِمهم! ولا أحد يستطيع أنْ يقلّل من قيمة ما تحقّق من إنجازات في السنوات العشر الأخيرة؛ ولكنّ الإنجازات وحدها لا تكفي لإضفاء الشرعيّة على نظام أو مسؤول، كما أنّ الخدمات وحدها لا تكفي لمنح السيادة. فإنْ كان سيّد القوم خادمهم، فإنّ خادِمَ القوم ليس بالضّرورة سيّدهم!
الشّرعية تحتاجُ إلى "التاريخ" الذي ينظُرُ إلى التأسيس، والرّمزيّة، والهوية، والمسار، والتّراكمات. وحتّى لا أُفْهمَ غلطا، أقول وأؤكّد على أنّ التاريخ هنا لا علاقة له بالنّسب والحَسَب والميراث وغير ذلك من المفاهيم السطحيّة المتداولة، بل هو عبارة عن "رصيد" من المعْنى، و"مٓخزون"، و"حَرْث"، و"حصاد"، و"جُهْد"... وبالإضافة إلى "التاريخ"، فإنّ "الشرعية تحتاجُ كذلك إلى "الجيغرافيا" التي تنظرُ إلى المركز والأطراف والعلاقة الطبيعيّة بيْنهما، والكثافة السكانية والموارد وغير ذلك؛ وتحتاجُ إلى الانسجام مع"الأعراف" المادّية والمعنوية الذي تُراعي احترام مجموعة قواعد غير مكتوبة تحكم المجتمع في بلد معيّن وزمن معيّن؛ ًوتحتاجُ إلى "انتخابات" شفّافة ونزيهة يعترفُ الجميع بعدالتها وصِدْقِيّتها حتى تتاح لصناديق الاقتراع فرصة التعبير عن عوامل التاريخ والجغرافيا والعُرف والعادة والقانون؛ عِنْدئذ تكونُ "الإنجازات" عملا عاديّا ومُتوقّعاً ومُنْتَظَراً...لا يَحتاج إلى تسويق ولا تطبيل!
قد يقولُ قائل بأنّ هذا مجرّد "تنظير" و "كلام" فَلسَفي؛ وذلك صحيح، ولكني أسأل ما الفائدة من "عمل" أو "فعل" ليس قبله تنظير أو تفكير أو تحليل؟ أدْري بأنّ شرعيّة الانجازات تَتَقَوّى بتسطيح العقول، وطمس الرّموز والمراجع والثّوابت، وإزالة الخرائط ... وقد يقول آخر بأنّ الحديث عن التاريخ ربّما فيه إقصاء للشباب؛ وفي هذا الصّدد أؤكّد على أنّ أيّ فرد من أفراد الشّباب يستطيع بالتّمَيُّز والحِنكة والحِكمة والشّجاعة والحماس أن يدخل التاريخ من بابه الواسع، ولكنّ ذلك يبْقى خَرْقا للعادة...وليْس العادة!
وفي الأخير، أتمَنّى من القارئ الكريم أنْ ينظُرَ إلى هذه الورقة بتأنٍّ وتمعُّن وهُدُوء، وأنْ يُراجعها مرّة أو مرّتين قبل التعليق عليها...ما يهمّني هو أنْ نحقّق معاً إنجازَ نقاش فكري هادئ ومُعَمّق قدر الإمكان حول "إنجاز" الشرعيّة...والشرعيّة ب"الإنجاز"!
أرحّبُ بأفكاركم وآرائكم جميعاً،،،
والله ولي التّوفيق!
لم يتأخر رد عمدة جونابة الذي جاء في شكل تعليق قال فيه :
جميل معالي الوزير استدراككم الاخير الرامي الي التنبيه انكم لا تعنون ب "التاريخ" الحسب والنسب ..وان كانت مقدمتكم تذهب بفهم القاري الي ذلك وتحيل اليه لولا تنبيهكم الضروري...
لكن ماذا تبقي لاكتساب الرمزية والشرعية والمعني غير "الانجاز".اذا ومثلا
.فماهو الحرث الذي لا يمكننا وصفه بالانجاز ؟ وما هو الحصاد الذي لا يأتي نتيحة ل "انجاز" ؟ وماهو الحهد الذي لا يمكن ان يتسمي بالانجاز اللهم اذاكان حرثا أو حهدا لا يقدم النفع للبشرية...,’
صاحب المعالي ان تراكم الانحازات الناافعة هو ما يٌكسب الرمزية ويملؤ بالمعني...’,
واعتقد ان السلطة والشرعية كمفهوم لقيم سياسيىة واحتماعية يكتسبان بما يقدمه الاشخاص الاعتباريون والمعنويون من انجازات وبما يراكمونه منها ايضا
وتضفي الشعوب الشرعية وتكرس الرمزية بناء علي ما يقدمٌ لها من انجازات ايضا..
وبنفس المنطق يتم تفريغ الاشخاص المعنويين والاعتباريين من المعني والرمزية فورما يتأكد للناس عجزهم عن تقديم منجزات او تخليهم غن بذل الحهد لذالك..
وقديما يقال في موروثنا الثقافي الشعبي أن :
شيخ الحلة يدبر له ويل زلت يصبر له......الخ
وحتي لو سلمنا بكل ذلك فماذا نفعل لو وحدت الشرعية وغاب الانحاز..؟؟
كامل التفدير
رد الوزير لم يتأخر حيث كتب في تعليق على التعليق ما نصه :
السيد العمدة، لم يكن شخصكم الكريم في بالي وأنا أكتب هذه الأحرف،،، ١-الإنجازات إنجازات ولد عبد العزيز، والتلفزات تلفزاته والدعاية دعايته والضجيج ضجيجه،،،٢- من جاء بانقلاب،...هو ،،،،وفاقد الشرعية ...هو، ومن يبحث عن سدّ الفراغ... هو،،٣- ومن لا يستند إلى تاريخ يؤهله ليكون واجهة ...هو،،،٤- ومن لا تساعده الجغرافيا (إنشيري)...هو،،،٥- ومن لا يستند إلى انتخابات نزيهة وشفافة ...هو،،،وقد كتبتُ عن هذا الموضوع في مقال بعنوان "الشامي الأرض و الشامي الإنسان" قبل ٣ سنوات! أما عن موضوع شرعية الانجازات فموقفي واضح،،،الانجازات مهمة، وقد تساعد في صناعة شرعية إن تمددت وتعددت واستمرت ولبِسَتْ لبوس الجغرافيا والعادات والأعراف وغير ذلك من قوانين غير مكتوبة،،، وقد تكون على العكس من ذلك سببا في فقدان الشرعية واستلابها إن هي توقفت أو تقاصرت عن الماكن والممكن،،،قلت إنّ ما يجري في ظل حكم عزيز من تطبيل خارق حول الإنجازات يشير إلى البحث عن شرعية مفقودة،،، ويبدو أنّه يحاول الآن الاستناد إلى تاريخ المقاومة المسلحة ورمزية جديدة بالعلم والنشيد،،، وقد قلت في التدرينة بأنّ خادم القوم ليس بالضرورة سيدهم،،، الإنجاز وحده لا يعطي السيادة،،،تقبلوا كامل الودّ والمحبّة.
بدوره رد العمدة بهجوم مضاد قال فيه :
معالي الوزير لا أشكـ ابدا اني خطرت علي بالكم وانتم تكتبون تدوينتكم..ولا اشك ايضا ان من قرأها غيري سيشك انكم تكتبونها وانا حاضر في بالكم...
مـــــاه محتاجة......!
أن تكونو تكتبونها والرئيس محمد ولد عبد العزيز يخطر ببالكم هذا هو مالم يخطر ببالي انا ايضا وانا اكتب تعليقي على تدونتكم....
ورغم ما قدمتموه من توضيج فان عجبي لم ينقض واستغرابي لا زال قائما...بل يزداد..!
فأية قوانين مكتوبة اوغير مكتوبة تجعل بعض الموريتانيين يملكون اهلية الفيادة والسيادة ..دون غيرهم لا لسبب سوي انهم من اهل انشيري او كذا..!
واية قوانين غير مكتوبة اومكتوبة تجعل ذلك الذي لبس بزة الوطن وقاتل عن حماه وتحت راية الوطن ليست له اهلية القيادة والسيادة لانه من اهل انشيري ..اوكذا
واي تارخ للمورتانيين يمكن ان يحتكره بعضهم عن بعض..؟
لم افهم..؟..
الطعن في الانتخابات مفهوم من الناحية السياسية ومشروع ايضا من نفس الناحية ..
ولكن الطعن في الاهلية علي اساس ان هناك من ترك له اباه السيادة ولاتحق الا له وهناك من لا .....امر يثير الغرابة في عصور خلت احري في عصرنا الحالي
واخيرا معالي الوزير...من قدم انجازات يحق له الاشهار بها والاعلان عنها فالتلفرات
والراديو اوذاك كامل ..ولل ماه عند انحارات الله غالب ...لا عار
لكم التقدير غل رحابة الصدر