البحث عن الذهب.. مغامرة جديدة في موريتانيا

خميس, 07/04/2016 - 10:30

مصطفى السيد - نواذيبو

لا يكاد يمر أسبوع من دون أن تمنح الحكومة الموريتانية رخصة للتنقيب عن أحد المعادن النفيسة في ركن من صحرائها مترامية الأطراف، إلا أن الشباب الموريتاني لم ينتظر الترخيص الحكومي ليبدأ مغامرة خطرة للبحث عن معدن الذهب النفيس، مغامرة ستقوده إلى أماكن بعيدة في عمق الصحراء فراراً من شبح البطالة.

يقول أحد هؤلاء الشباب: "هذه الأرض غنية بالذهب، لكأنها عيون تتفجر ذهباً"، ثم يضيف وهو مهندس جيولوجي: "لقد قضيت هنالك يومين فقط، استخدمت خلالهما معدات بسيطة جداً، وعدت بحوزتي كيلوغراماً وتسع غرامات من الذهب".

أكد هذا الشاب الذي فضّل حجب هويته أنه ينوي العودة مجدداً للبحث عن الذهب، رغم ما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة، في مقدمتها إمكانية الضياع في صحراء شاسعة تكاد تنعدم فيها الحياة، وخطر الوقوع في قبضة الأمن الذي بدأ يلاحق "الباحثين عن الذهب" دون الحصول على رخصة تنقيب.

أدوات وأماكن

في صحراء تازيازت بولاية إينشيري، شمالي موريتانيا، يبدأ حلم الشباب الموريتانيين بالحصول على قطع من الذهب، ليزاحموا في ذلك عدداً من كبريات الشركات العالمية والوطنية، في مقدمتها شركة "كينروس" الكندية التي تستغل بموجب اتفاق مع الحكومة منجم تازيازت، أكبر منجم منتج للذهب في موريتانيا ومن بين أكبرها في أفريقيا.

يركز هواة البحث عن الذهب على منطقة تبعد خمسين كيلومتراً إلى الشمال من منجم تازيازت، ولكنهم يقتسمون مع المنجم نفس المجال الصحراوي بطبيعته القاسية والجافة، ورماله الوعرة التي تمتد مد البصر، ما يجعل من رحلة البحث عن الذهب مغامرة حقيقية قد تنتهي بكارثة.

في الآونة الأخيرة تضاعف عدد الشباب الباحثين عن الذهب الذين قدموا إلى صحراء تازيازت بماكينات كشف وتنقيب خفيفة، أغلبهم من الشباب العاطلين عن العمل وحملة الشهادات الباحثين عن فرصة أفضل لكسب العيش، بعد أن ضاقت بهم شوارع ومكاتب العاصمة.

يقتني هؤلاء الشباب ماكينات البحث عن الذهب من محلات خاصة في نواكشوط تبيعها بأسعار متفاوتة تصل إلى 800 ألف أوقية (ألفي يورو)، ولكن أسعارها تضاعفت في الآونة الأخيرة مع زيادة الإقبال عليها، المفارقة هي أن هذه المحلات لا تخفي بيعها لهذه المعدات، فيروج أحد المحلات لآلة وصفها بأنها: "كاشف معادن للذهب والكنوز"، ويضيف: "الأفضل من حيث الأداء في اصطياد الذهب والآثار القديمة".

بميزانية بسيطة وجهاز خفيف للتنقيب عن المعادن، مع الحصول على سيارة رباعية الدفع، يتوجه الشباب إلى قلب منطقة إينشيري، غير بعيد من الطريق الرابط بين العاصمة نواكشوط ونواذيبو، يقضون أيامهم ولياليهم في البحث عن الذهب.

بعض العائدين من هذه الرحلة التقت بهم "صحراء ميديا" فتحدثوا عن مواجهة برد الصحراء القارس ليلاً، وشمس إينشيري الحارقة نهاراً، إلا أن أحدهم يقول: "نصبر على كل ذلك لأن لدينا حلم الحصول على بضع غرامات من الذهب المتناثر في صحراء تازيازت"، ويضيف: "ربما نحصل أيضاً على معادن نفيسة أخرى تباع بمبالغ معتبرة، إنها غنيمة كبيرة وبداية ثروة محتملة".

نبوءة الذهب 

بدأت قصة الذهب في صحراء إينشيري منذ عدة عقود عندما منحت السلطات الموريتانية رخص التنقيب لعدد من الشركات التي تحركت بناء على مؤشرات علمية تفيد بأن هذه المنطقة غنية بالذهب، إلا أن السكان المحليين لديهم رواية أخرى.

يتحدث سكان إينشيري عن نبوءة أحد الأولياء المنحدرين من المنطقة، قال فيها إن أرضهم مباركة وسيأتي اليوم الذي تكون فيه قبلة للباحثين عن هذه البركة، وذلك ما يفسره السكان المحليون بالذهب والنحاس الموجودان بوفرة في صحراء إينشيري.

عبد المولى، أحد السكان المحليين يملك قطعاناً من الإبل ظل يحدوها لعدة عقود في صحراء تيرس الزمور وإينشيري، يقول إن الشواهد كثيرة على أن هذه الأرض مباركة، ويحيل في ذلك إلى "نبوءة" العالم والولي الصالح الشيخ محمد المامي.

ويشير عبد المولى في حديث مع "صحراء ميديا" إلى أن الشيخ محمد المامي تحدث عن بركة هذه الأرض في مؤلفاته عن الأرض والنجوم والأفلاك؛ وبالتالي لم يستغرب إقبال الشباب على البحث عن "هذه البركة" في صحراء تازيازت، وفق تعبيره.

سياح الذهب

خلال التحقيق في الموضوع يتضح أن هنالك من سبق الشباب الموريتاني في رحلة البحث عن الذهب المدفون في رمال صحراء إينشيري، ذلك ما تؤكده الكثير من المصادر المحلية التي التقت بها "صحراء ميديا" خلال إعداد هذا التحقيق.

في هذا السياق يقول "العيين"، وهو دليل سياحي التقت به "صحراء ميديا" إن الشباب الموريتاني لم يكتشف متعة البحث عن الذهب في صحراء إينشيري إلا متأخراً، مشيراً إلى أن أجانب سبقوه لذلك منذ عدة عقود.

ويؤكد الدليل السياحي المتقاعد أن الكثير من السياح كانوا يذهبون إلى هذه الصحراء رفقة عدد من الأدلاء، ويستخدمون أجهزة صغيرة ومتطورة للبحث عن الذهب؛ ويضيف: "إنها رحلات في ظاهرها سياحة رملية، وفي باطنها رحلة للبحث عن الذهب"، على حد وصفه.

قصة أخرى يرويها لنا سليمان، وهو أحد السكان المحليين، يقول فيها إن "رجلاً بشعر طويل ونظارات طبية دائرية، كان يدرس في الخارج، اشتهر برحلاته في المنطقة التي يصطحب فيها عموداً ومصابيح، وصفه عدد من رفاقه بأنه مصاب بهوس دراسة المعادن وأنه لا يعد يتمتع بقواه العقلية، إلا أننا اكتشفنا في الأخير أنه حصل على غنيمة معتبرة من الذهب خلال رحلاته تلك".  

أمل الذهب

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب موريتانيا، والتقارير الدولية التي تقدر نسبة البطالة في البلاد بأكثر من الثلاثين في المائة، وجدت رحلات البحث عن الذهب في الصحراء اهتماماً كبيراً لدى الشباب الموريتاني، وخرجت بذلك من دائرة التداول السري إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

تعددت كتابات المدونين الموريتانيين عن هذه الرحلات بوصفها "بريق الأمل" بالنسبة للعاطلين عن العمل من الشباب، فكانت دعاية مجانية لرحلة محفوفة بالمخاطر ولكنها تعد بالحصول على ثروة لا تتطلب سوى الصبر والانتظار، أمران لا يملك العاطل عن العمل غيرهما.

إلا أن الأمن الموريتاني دخل على الخط، ليفرض طوقاً أمنياً على المنطقة القريبة من منجم تازيازت، وبدأ في توقيف وطرد الباحثين عن الذهب ومصادرة معداتهم، فيما لجأ العديد منهم إلى مناطق أخرى.

في غضون ذلك تشير بعض المصادر التي تحدثت لـ"صحراء ميديا" إلى أن أعداد الوافدين الجدد بحثاً عن الذهب تضاعفت بشكل لافت خلال اليومين الماضيين، فلا تزال حكايات العائدين من المكان تغري السامعين بالبحث عن "كاشف للكنوز" والذهاب سريعاً إلى قلب صحراء إينشيري.

نقلا عن صحراء ميديا