واجب الذاكرة : من ولاتة ، مخيم الموت / حبيب محفوظ

خميس, 25/02/2016 - 17:30

أتى مدنيو أكتوبر 1986 وعسكريو أكتوبر 1987 سويّةً إلى الحصن الملعون. كانوا مُقيّدين. حصتُهم اليومية من الماء:"علبتان من غلوريا". تغذيتهم: الأرز المغلي والتراب. والأشغال الشاقّة تدوم ثمانية ساعات من الصباح حتّى الثامنة تقريباً. وهم في إغاظة بعد إغاظة. ولدى مقدمِهم تمّ إشعارهم: "نريد أن نقتلكم بالرّصاص. وإذا جنّ أحدكم سنطلقُ عليه النّار ونقول في نواكشوط أنه مات من الزّحار. لدى مقدمهم أخذُ منهم كلّ شيء: الساعات والخواتم والراديوهات. "لم يُعطَ لكم شيء لنا. اكتفوا بما لديكم. لا نقابة. اعملوا، هذا كلّ ما في الأمر".

 الجوع. والعطش. وقد أصبح الرِّجال جثثاً متحركة (زومبيات). في 22 مارس 1988، حاول 22 معتقَلاً مسناًّ ان يخلعوا قيودهم التي في أقدامِهم ليتسنّى لهم خلع بناطيلهم لكي يُصلّوا بطريقة صحيحة. عُذِّبوا. ثم محاكيات زائفة إضافية للإعدام خلف الحصن. وبعد هذا الحدث ساءت أحوال الاعتقال، مع اعترافِنا أن هذا يمكن أن يحصل.

سُدّت النوافذ الفوقيّة التي كانت تُنير الزنزانات. ومن ثمّ أشيعَ أن معتقلي ولاتة حاولوا الفرار. لأن السلطات كانت على علم أن الجميع على وشك الموت. وبالفعل في 26 أغسطس توفي الضابط المساعد بالدرك، با ألاسان؛ وفي 2 سبتمبر كان الكاتب تين يوسوف غاي هو من سقط؛ في 13 سبتمبر كانَ الملازم با عبدول قدوس؛ 28 سبتمبر كان الوزير الأسبق ديجو تاسفيرو. ولم يعد بمقدور 32 سجيناً السّيْر.

أما الآخرون فكانوا يتغذّون على أوراق الأعشاب، وعلى الحشرات. وقد تنقّلت الملابس لوحدها بسبب عرمرم القمل التي اجتاحتها. لم يكن ثمّة حدٌّ للاعتراضات. تحرّكَ المجتمع الدولي. فذهبَ المدنيون إلى لعيون في 30 أكتوبر 1988.

والتحقَ بهم العسكريون في 31 يناير 1989. من الجليّ أن هذا أحسن. "إنّه عيد، مقارنة بولاتة". فقد عاش المعتقَلون في زنزانات رحبة. بل قد مارسوا أيضاً الرياضة. كرة القدم وكرة السلة. وقد سُمِحَ للعوائل بالزيارة في مارس. وقد قسّت الأحداث الموريتانية السنغاليّة من الاعتقال.

 بدون أن تصل إلى وضعية ولاتة. وفي 12 ديسمبر 1989 أعفي عن ذوي عقوبة السنة الواحدة. وأُطلِقَ سراح المدنيين المحكوم عليهم بأربعِ سنوات. أما الآخرون فأطلقَ سراحهم في 14 سبتمبر. وقد استفاد العسكريون من العفو في 3 مارس 1991.

 ____ عن جريدة "موريتاني دومين" (Mauritanie Demain)، عدد، 23، بتاريخ أغسطس 1991.

ترجمة أبو العباس ابرهام

نقلا عن صحيفة تقدمي 

تصفح أيضا...