الصناعات التقليدية بألاك : قصة كفاح من أجل البقاء

اثنين, 07/12/2015 - 19:40

يواجه الصناع التقليديون بمدينة ألاك عاصمة محافظة لبراكنه وسط موريتانيا أوضاعا بالغة الصعوبة بفعل الغزو المستمر للسوق المحلي من طرف البضائع الصينية رخيصة الثمن في ظل الارتفاع المذهل لتكاليف المنتوج الصناعي التقليدي والرغبة الجامحة لدى سكان المدن في اقتناء المنتوج الخارجي بحثا عن "الموضة والحداثة و هروبا من التخلف وحياة البدو".

فبعد أن كانت الصناعات التقليدية في موريتانيا هي المغذي الأول للسوق المحلي بنسبة معتبرة من حاجياته لم يعد لها اليوم أي تواجد يذكر وصار منتوجها يعرض في المهرجانات الثقافية الكبرى للتذكير به كجزء من تراث صار اليوم يقتصر استخدامه على مناطق نائية لم تتأثر بعد بالحداثة ومظاهر العولمة نتيجة العزلة وانعدام وسائل المواصلات.

محمد ولد خيلول صانع تقليدي بدأ يحث الخطى مسرعا نحو العقد السابع من عمره يجلس في دار متهالكة كان أحد السياسيين المحليين قد منحها للصناع التقليدين مع بدء المسلسل الديمقراطي في موريتانيا مطلع تسعينات القرن الماضي مقابل منح مرشحه أصواتهم في أحد المواسم الانتخابية يقول إن الصناعات التقليدية لم تعد موجودة كمهنة لأنها كانت محصورة في شريحة معينة تتوارثها أجيالها.

ويضيف ولد خيلول أن صعوبة الواقع وانجراف السكان خلف الموضة والبضائع المستوردة وغياب الدعم والرعاية الرسميين جعل من المنافسة أمرا عبثيا فقضت البضائع الصينية بشكل تدريجي على المنتوج المحلي الذي لم تعد مبيعاته تتجاوز بعض الأواني التقليدية (كدحان يط) أو وسائل جلب المياه من الآبار (الرشاء والدلو) أو آلات التدخين (البيت والعظم) أو الآلة التقليدية التي يستحسن غالبية الموريتانيين حليب البقر بها (التاديت) أو (الفرن والتولتلاتن) وهي مستلزمات لم تعد عائداتها تضمن للأسر عيشا لائقا فقرر الشباب هجر المهنة ومواصلة الدراسة للبحث عن مهن أخرى ودخول سلك الوظيفة العمومية.

أما سالم ولد "ت ل د ي" صانع تقليدي آخر يقول إن المهنة صارت مزاولتها تقتصر على كبار السن لأسباب عديدة أبرزها غياب الدعم الرسمي وارتفاع تكاليف الإنتاج هذا بالإضافة إلى النبرة الساخرة التي يتحدث بها المجتمع عن الصانع التقليدي ورفض معظم شرائح المجتمع لتزويج فتياتهم لفتيان شريحة الصناع عملا بالمثل الشعبي القائل "لا خير في الحداد ولو كان عالما" و "أكذب من معلة جالب أوسادة" وهو ما جعل الشباب يبحثون عن مهن أخرى هربا من جحيم عادات المجتمع.

 

يقول سالم إنه كان في السابق يحتاج لكل أفراد أسرته لمساعدته في العمل حتى يستطيع توفير طلبات زبنائه في الوقت المناسب لأن الطريقة التنافسية بين الصناع قائمة على معيار السرعة في إنجاز العمل وإتقانه وتوفير مخزون من مختلف الأدوات التي يكثر الإقبال عليها غير أنه صار اليوم يجلس وحيدا في مقر عمله وقد لا يمر يوم كامل دون أن يدخل محله التجاري زبون واحد، كما أنه صار ينجز تحت الطلب فقط.

ويختم سالم حديثه قائلا إن رالي دكار كان يمثل هو الآخر شريان حياة سنوي للصناعات التقليدية حيث يكثر عليها الإقبال من طرف السياح والتجار الباحثين عن التربح منهم غير أن توقفه عن المرور بالأراضي الموريتانية بعد الأحداث الإرهابية التي راح ضحيتها عدد من السياح الغربيين قبل سنوات شكل ضربة في الصميم لصناعاتهم.

أما سكان المدينة فيبررون عزوفهم عن المنتوج المحلي بالارتفاع الصاروخي لأسعاره بشكل أساسي حيث يوفر الصناع التقليديون بعض الأواني "كدحان يط" بـ4000 أوقية في حين يمكن اقتناء إناء ممثال لها من الصناعات الصينية بـ 700 أوقية فقط كما يوفر الصناع التقليديون حصيرا تقليديا يبلغ طوله ثلاثة أمتار بـ 8000 أوقية في حين يمكن اقتناءه من الصناعات الصينية بـ 3500 أوقية، كما أن خريجي مؤسسات التكوين المهني صار بإمكانهم تقديم البديل بأسعار تناسب القدرة الشرائية للمواطن.

أما المنوبية الجهوية للثقافة والصناعات التقليدية فتقول إنها على استعداد لمنح الصناعات التقليدية مكانتها اللائقة إذا ما استطاع الصناع تنظيم أنفسهم في روابط وتكتلات واتحادات تسهل مهمة العمل الحكومي، مؤكدة أن أموالا طائلة تنفق سنويا في دعم المنتوج من الصناعات التقليدية عبر تنظيم معارض سنوية كبرى خاصة بها في مهرجان المدن التاريخية.

وتؤكد المعطيات الموجودة أن الصناعات التقليدية تبقى حتى الآن أحسن حالا في المناطق المعزولة بفعل حاجة السكان إليها لكن الأكيد هو أنها في مدينة ألاك باتت مهددة بالاندثار ما لم تجد يدا حانية تنتشلها من واقع الضياع وهو ما يرى كثير من الملاحظين أنه لن يتحقق ما لم يتم حظر استيراد البضائع التي يمكن أن توفرها الصناعات التقليدية أو يتم الترفيع في الرسوم الجمركية عليها على الأقل.

أصوات الكثبان