ذاكرة انتخاب غزواني ...محددات عامة أثرت في أداء حكومته الأولى

جمعة, 26/06/2020 - 08:21

نوافذ (نواكشوط ) ــ تمر سنة على الاقتراع الذي أفرز انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية ،وهي مناسبة الاستنطاق واستقراء المنجز في هذه السنة ، والحديث عن مكامن الخلل وأسباب الإخفاق .

في هذه المعالجة نتعرض لعوامل حاسمة أثرت في أداء الحكومة الأولى للرئيس غزواني خلال السنة المنصرمة ،وقد يستمر تأثيرها خلال السنة المقبلة .

تأخر حسم الترشح وفريق الحملة كان لهما دورهما في تحديد البوصلة

من المسائل التي يمكن إثارتها بمناسبة مرور سنة على انتخاب الرئيس محمد ولد الغزواني هي أن من رجع للذاكرة الانتخابية يجد أن ترشحه لم يحسم إلا في الوقت بدل الضائع ، ولم يكن تسيير حملته بيده ، حيث حرص سلفه محمد ولد عبد العزيز أن يظل الترقب سيد الموقف ، بالإيماء لأشخاص مقربين منه بإمكانية ترشيحهم كمولاي ولد محمد الأغظف ، وولد الرايس ...وآخرين ..ولم يحسم الجدل لصالح غزواني إلا في آخر لحظة ، وحين حسم ،تم ذلك دون أن تعطى له الحرية في تشكيل فريق عمل يمكنه الاستمرار به بعد الحملة لأن الحملة أديرت بفريق عزيزي خالص ، ما انعكس على تسيير ولد الغزواني لهذه السنة ، لأنه لم يخبر الرجال والمواقف ، فرحلاته نظمت له ، وأسفاره ومحطاته حددت له ، وحتى آلة دعايته وطريقتها  ...حيث توزعت الأدوار بين كريمة الرئيس السابق "أسماء ، ومدير اسنيم الحالي المختار ولد اجاي ، والابن المدلل محمد ولد عبد الفتاح ، وباستثناء مدير الديوان الحالي الذي تمسك به غزواني كان كل فريق الحملة من رجال عزيز ما أثر على عمل الرئيس ، وكاد أن يغرقه في يم الشوط الثاني .

تنبه غزواني مبكرا إلى أن هذا الفريق أثر في سير الحملة ، وأخرج داعمين بارزين له من دائرة التأثير فيها ، ونتيجة ذلك لجأ غزواني لمذكرات التعيين التي عين بموجبها أصحاب التأثير الانتخابي من داعميه الحقيقيين ، مكرسا بذلك ممارسة سيستمر عليها وهي أن يلحق بعض خاصته بمن عينهم عزيز بموجب مذكرات دون أن يؤثر ذلك في مراكز ومناصب المحسوبين على الرئيس السابق، وهي نفس الاستيراتيجية التي اعتمدها مع مستشاري الرئاسة ، حيث ترك كل من عينهم عزيز ، وأضاف إليهم مستشارين ومكلفين بمهام بموجب مراسيم رئاسية جديدة ، وقد كانت لهذه الاستيراتيجية دلالتها .

الصورة النمطية

من المسارات المحددة أيضا لأداء الحكم خلال السنة المنصرمة الصورة النمطية التي أعطيت للرئيس ، وأظهرته بمظهر القائد غير الحاسم ، ولم يرد الرئيس ــ فيما يبدو ــ لهذه الصورة أن تتغير ، لأنه لم يحسم في التعيين ولا في الإقالة ، فكان يقيل اليوم ليعين المقال غدا ، وهو ما ساهم في تجذير الصورة النمطية عنه ، وأثر في أداء فريقه .

التشابه والتشابك بين الحكومة المشكلة وحكومة الرئيس الأخيرة

بعد مخاض عسير خرجت حكومة الرئيس غزواني الأولى ، ليظهر احتفاظه بعدد من وزراء عزيز "المصفحين " ، كالوزير الأمين العام للرئاسة الذي كان وزير عزيز الأول ، ووزير الصيد الذي احتفظ بمنصبه ، ووزير التعليم العالي الذي حافظ على حقيبته دون تغيير ، مثله وزير الطاقة الذي كان يخاطب عزيز بــ" بابا " ، ووزير المالية صندوق عزيز الأبيض الذي تم تعيينه على أكبر مساهم في الناتج المحلي ، والناها بنت مكناس الوزيرة التي حافظت على منصبها الوزاري طيلة حكم عزيز ، هذا إلى جانب وزراء لم يكونوا يشاركون في مجلس الوزراء كمحافظ البنك المركزي الذي تمت ترقيته إلى رتبة وزير بعد انتهاء مأموريته .

ساهم بقاء رموز نظام عزيز في تشتيت جهد الحكومة ، وعدم سيادة روح الفريق ، كما أثر على طبيعة تعاملها مع الملفات المثارة لاحقا ... فتشكيلة الحكومة الأولى كانت محددا أساسيا في سير العمل الحكومي في العهد الجديد .

تأخر إعلان الحكومة حتى كادت أن تتجاوز الأجل القانوني ، لأن الرئيس كان يحاول التقاط رجال لم تتحدد أسس اختيارهم ، فطبيعة عمله السابق التي تحصر علاقته برجال المؤسسة العسكرية جعلت اختياره غير مبني على تجربة أو معايشة ، وهو ما أخر إعلان الحكومة ، وأظهر أن الوزير الأول ـــ المهندس وخريج مدرسة سانترال العريقة في باريس ــ لا يد له في تشكيل الحكومة ، لأنه ليس هنالك وزير محسوب عليه ، فهو وزير أول لكن الحكومة ليست حكومته ما أضعف سلطته التنفيذية عليها .

طبيعة تشكيل الحكومة فرضت عليها أن تبدأ العمل دون أن توجه نقدا موضوعيا لما سبقها ، كي تستجيب لطموح الناخبين ، فاحتفظت بنفس الأرقام المعلنة من الحكومة السابقة ومنحتها الصدقية ، وخرج محافظ البنك المركزي في مؤتمر صحفي بعد تشكيل الحكومة مع وزير المالية الذي كان مديرا للخزينة  ليؤكدا صحة الأرقام السابقة ، فأصبحت الحكومة في مأزق لأن الواقع الذي وجدته أمامها يكبلها ، ولا يمكنها التصرف لانعدام الحيلة ، وهي مع ذلك غير قادرة على نقد الفترة الماضية ، لتظل الوضعية قبل القطيعة بين الرئيسين تتسم بالتغطية على أخطاء الماضي ، بل والترويج لاستمرار النهج في الخرجات الرسمية "تصريحات الناطق باسم الحكومة سيدي ولد سالم " ، وهو ما أثر على عمل الحكومة وساعد في تحجيم أدائها .

غياب روح الفريق الحكومي والسند الحزبي

من المشاكل التي أثرت في أداء الحكومة خلال السنة المنصرمة أنها لم تكن فريقا منسجما كما سبق ، وبمجيئها طرحت مشكلا سياسيا ، لأنها ليست حكومة الوزير الأول ، ولا حكومة الحزب الحاكم ، فوزراؤها ليسوا حزبيين ، والمعيار الذي تم اختيارهم على أساسه ليس معيار تجربة ، لأن الرئيس لم يخالطهم من قبل في العمل ، فجاءت الحكومة "هجينة " ، وأسس اختيار أعضائها غير واضحة ، ما جعلها في واد والحزب الحاكم في واد ، وهو ما أفرز أزمة المرجعية وأدى إلى التغيير الذي شهدته قيادة الحزب 

الصرف الكبير في الميزانية والبرنامج الطموح  وكورونا

ثلاث نقاط كانت حاسمة في تحديد مسار الحكومة خلال السنة المنصرمة منها : الصرف الكبير الذي تم على الميزانية خلال الشهرين الأخيرين من حكم ولد عبد العزيز ، وبرنامج الرئيس غزواني  الطموح والذي طرح في أفق استخراج الغاز ، والذي ضربه الواقع ضربة شديدة من خلال أزمة كورونا التي مست جميع مناحي الحياة ، فأصبحت مشكلة الحكومة أنها أصبحت موزعة بين تسيير الحياة اليومية للناس ، وحضور البعد الانتخابي لحملة الرئيس ، الذي يعتبر أول رئيس احتفظ ببرنامجه الانتخابي بعد انتخابه ، وهو ما شكل ضغطا على الحكومة .

محاولة التغيير رغم الاستمرارية

معادلة التغيير رغم الاستمرار التي كشفها البرنامج الطموح للرئيس ، وهيمنة الطابع القديم على الحكومة ، وبقاء الفريق الرئاسي العزيزي دون تغيير ، واحتفاظ الوزير الأول بمديرة ديوان سلفه لأشهر وتغيير مستشاريه فردا فردا ...أمور حدت من أداء الحكومة خلال السنة المنصرمة وربما تجر ذيلها على السابقة .

التعاطي مع المعارضة

سياسة التعاطي مع المعارضة كانت محددا من محددات الأداء الحكومي خلال السنة المنصرمة ، وهو محدد جديد في ظاهره ، قديم في باطنه ، وقد تميز بعموميته وشموليته لمختلف الطيف السياسي المعارض ، لكن ذلك لم يتجسد في شيء يتجاوز مستوى الارتياح للقاء ، ما جعل المعادلة قابلة للرجوع لمستوى الصفر ، وترك الباب مفتوحا أمام ما قد تحمله أي لحظه جديدة من انتكاسة في العلاقة .

السياسة الإعلامية المتوجسة

لم تكن السياسية الإعلامية الرسمية تساعد هي الأخرى في قراءة المشهد ، بل كانت سياسة متوجسة ، وغير واضحة المعالم ، رغم ما حمله تعيين مهنيين على مؤسسات إعلامية رسمية من تطمين ، إلا أن التفاعل الرسمي مع الإعلام كان دون المستوى ، رغم الرسالة الإيجابية التي حملتها الأيام الأخيرة من السنة بعد تعيين الدكتور الحسين ولد مدو رئيسا للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية .

التعيينات في قيادات الجيش المحدد الأكثر حسما

هذه المحددات كلها لم تكن حاسمة في التوجه نحو الأحسن ، أو إعطاء شكل للنظام ، إلا أن نهاية السنة حملت خطوة أساسية ، سيكون لها أثرها في تثبيت دعائم السلطة القائمة ، تلك الخطوة هي التعيينات الأخيرة في قيادات المؤسسة العسكرية ، التي قد تكون إيذانا بوضع الرئيس ميسمه على مؤسسة هي ركيزة الحكم ، وقد يكون ما بعد هذه التعيينات ليس كما قبلها ، رغم صعوبة قراءتها بالمجمل ، إذا ما استثنينا تعيين الضابط الأكثر استحقاقا قائدا للأركان العامة للجيوش ، وما حمله ذلك التعيين من إعادة للأمور إلى نصابها ، إلا أن تخفيض رتبة قائد الأركان السابق ، وتحويل قائد الحرس إلى الشرطة ، والاحتفاظ بوجوه كانت تتقدم المشهد العسكري في الماضي ، والاكتفاء بتبادل الأدوار فيما بينها أمور تحتاج أكثر من قراءة .

ختاما

هذه العوامل مجتمعة انعكست أيما انعكاس على أداء الحكومة ، وأثرت على الفعل الحكومي الذي ننوي في موقع "نوافذ " تسليط الضور على حصاده السنوي ، عبر استطلاع آراء الناس ، ومعرفة تقويمهم لما أنجز ، وهي مناسبة لدعوة السلطات لمساعدتنا في إنارة الرأي العام حول هذا المنجز من خلال التفاعل الرسمي معنا ، بفتح فرصة مقابلات مع صناع القرار بدءا برئيس الجمهورية ، ومرورا بالوزير الأول ، وانتهاء بالوزراء الآخرين ، وهو أمر ــ إن تم ــ سيساعد في إنارة الرأي العام ، كما أنه يفتح فرصة للحكومة من أجل تقديم رأيها في حصادها السنوي .  

 

تصفح أيضا...