الوزير الأول وحواره "الميت " مع صحافته ...فعجبنا لهم يسألونه ويصدقونه !!!

اثنين, 15/06/2020 - 11:02

نوافذ (نواكشوط ) ــ الصخب الإعلامي الذي سبق خرجة الوزير الأول الموريتاني إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا جعل سقف توقعات المواطنين منها يرتفع ، ولم يكن أدناهم انتظارا يتوقع أن يخرج من اللقاء صفر اليدين ، دون أن يجد جديدا في خرجة الشخصية الثانية في البلد ، لكن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن ، وقد يتمخض الجبل فيلد فأرا !!!

خرج الوزير محاطا بكبار وصغار معاونيه ، وتحدث أكثر من تسعين دقيقة دون أن يلامس هموم شعبه ، فكان حواره مع "صحافته " حوار ميتا ، غير مركز ومنزوع الدسم ، قتلته الرتابة ، وأصابه غياب الصحافة المستقلة في مقتل ، فكان دون التوقع رغم توقيته المهم ، وسقف الآمال المعلقة عليه .

لم يكن أكثر المراقبين تشاؤما يتوقع أن لا يحمل خروج الوزير الأول جديدا ، ، وأن تتمخض خرجته تضييعا للوقت والجهد ، فشخصية بحجمه ما كان لها أن تتكلم وهي خالية الوفاض ، حتى لا يصوم متابعها سنة ويفطر على جرادة ، وحتى لا تكون سكتت دهرا ونطقت ...

كان المواطنون ينتظرون أجوبة وافية شافية على جملة من القضايا كالفساد والمفسدين ، وسياسة التدوير ، وصفقات التراضي "صفقة واو ، صفقات مقر البرلمان ومقر المجلس الدستوري والعمارات الحكومية ، والعلف ..."

ينتظرون حديثا عن ما يتردد عن عدم الانسجام بين أعضاء الفريق الحكومي ، وكيف أجهض اختلافهم حلم الانتصار على كوفيد 19 ، وساهم في تفشيه ...

كان المواطن ينتظر فتحا حكوميا يلغي الحواجز "الصورية " بين الولايات ، لكن "لقاء الشعب " في نسخته الهجينة لم يتح للمواطن فرصة الغوص في كل تلك التفاصيل ، ولا المرور بحمى الخطط الحكومية لمراقبة المال العام ، ومحاسبة المفسدين ، ولم يمكنه من المرور ولو مرور الكرام بصندوق كورونا ، وآليات تسييره ، ومستوى الصرف منه ، وخطة الحكومة لمحاربة المرض والبطالة والفقر ، والارتفاع الجنوني للأسعار ، والإصرار على عدم خفض أسعار المحروقات رغم تهاويها عالميا .

أكثر المعارضين لحكم الرئيس السابق محمد ولد العزيز خرج من النسخة الجديدة للقاء الشعب وهو يلتمس له العذر ، ولسان حاله يكرر "رحم الله عزيز ما أعدله " ، فقد كانت دعوة الرجل للمؤتمرات الصحفية دعوة جفلا ، ولم يكن ينتقر انتقارا ، لم يكن يخشى الصحافة المستقلة ولا حتى المعارضة ، قد يغضب منها ، وقد يطردها ، ويأمر بإطفاء التلفاز،  لكنه ما يلبث أن يتراجع في النهاية ، ولم ينظم يوما مؤتمرا صحفيا على طريقة الاتحاد السوفيتي أو كورويا الشمالية .

في سرده الطويل كان ولد الشيخ سيديا يسرق النظر لأوراقه المعدة سلفا ، على طريقة التلميذ غير الماهر في الاختلاس ، ما كشف عدم اطلاعه الكافي على الملفات التي يتحدث عنها ، وهو ما ترجمه غياب الأرقام في حديثه ، ولجوئه للتعمية ، وارتباكه المرتسم على جبينه كلما خرج صحفي عن خارطة الطريق المعدة سلفا ، وكأنه يريد أن يقول له "ذماه هو أل اتفقت أمع بطرونك أعليه " ... سر أفشاه تهجي بعض الصحفيين والصحفيات للأسئلة ، وظهور مدير قناة الموريتانية محمد محمود أبو المعالي وهو منهمك في إصدار الأوامر ، على طريقة المدرب الذي يقترب فريقه من خسارة المباراة ، كلها أمور تؤكد أن صحفيي المؤتمر مسيرون لا مخيرون ...ما يجعل متابعيهم يرددون "فعجبنا لهم يسألونه ويصدقونه " .

ظهر  الوزير الأول في مؤتمره وهو يتغافل أو يستغبي متابعيه ، حين أراد "الغمز" في قطاع الصحة بمدحه بما يشبه الذم ، متحدثا عن  اختلالات وجدوها فيه ، يتقدمها غياب التجهيزات والبنايات ...فأين كان الوزير حينها ؟ ألم يكن وزيرا للإسكان ؟ ومقربا من رأس السلطة لم فاتت عليه حينها فرصة تحديث بنية القطاع أو على الأقل الإشارة بذلك إلى الرئيس الذي قربه ذات يوم ؟ أم أنه كان يعول على ضعف ذاكرة متابعيه ؟

كثيرون خرجوا من اللقاء لا يلوون على شيء ، لكنهم مجمعون على الرسائل السلبية التي حملها والتي منها :

ــ رسالة إلى الإعلام والإعلاميين مفادها أن عشرية التمييع ستكون أرحم بهم من العهد الجديد ،  الذي شهدت سنته الأولى تضييقا على الحرية ، واعتقالا للمدونين ، ومنعا للإعلاميين من ممارسة حقهم في الإخبار من خلال منعهم من تراخيص العمل في وقت الحظر ، ثم تغييبهم أخيرا من مؤتمرات تأخذ اسمها من مهنتهم .

ــ رسالة إلى المواطن الذي ينتظر منذ أيام خرجة الوزير الأول أن أسئلته الملحة ليست ضمن أولويات الوزير وحكومته .

ــ رسالة إلى المتطلعين إلى القطيعة مع الماضي بما يرمز إليه من فساد وإفساد، أن تلك القطيعة ليست من بين الوعود التي حملها حديث الوزير .

بالجملة لم يكن ولد بده في خرجته ذلك الوزير المفوه الذي يأسرك بحسن سبكه للحديث ، حتى يشغلك عن الغوص في مضامينه ، ولا ذلك الفني الذي يعجبك بإتقانه للغة الأرقام وتعويله عليها ، فينسيك ذلك حاجته لفصل الخطاب ،  لكنه كان ــ فيما يبدوــ منتميا للماضي لأنه لم يعلن القطيعة منه ، وغير مطمئن للحاضر لأنه لم يرد التعمق في الحديث فيه ، وليس واثقا في المستقل لأنه اختزله في الوعود ، وكان يكفيه من كل ذلك رسالة صوتية يبعث بها إلى إحدى المجموعات الواتسابية .