موريتانيا : عودة شبح الانقلابات من جديد بفعل الخلاف حول المرجعية والنهج ...

جمعة, 22/11/2019 - 12:58

نوافذ (نواكشوط ) ــ رغم انقضاء أكثر من مائة يوم على تسليم ولد عبد العزيز السلطة لمحمد ولد الغزواني ما زال سؤال التغيير من عدمه مطروحا وبإلحاح ، فكل كلمة ، أو إجراء ، أو تعيين ،  أو إقالة ، أو خرجة إعلامية ،  أو صورة ، وكل تلميح أو تصريح ، قد يدفع الناس لتصنيف أو إعادة تصنيف ما تم  :  تحولا أو غير تحول ، تغييرا أو استمرارا ، النهج أو غير النهج ، وعلي ذلك تتغير الأمزجة ، فرح ، وأمل ، وطمأنينة وثقة في المستقبل والسلطة القائمة ، أو العكس ، لكن كل ذلك لا يخرج عن دائرة الانطباع ، أما الواقع فلا بد أن يستحضر معطيات لا يمكن إغفالها ، وقد لا تدعم بالضرورة ما استقر من انطباعات .

أول تلك المعطيات: ــ أن الرئيسين الحالي محمد ولد الغزواني ، وسلفه محمد ولد عبد العزيز يخرجان عن ضمير التثنية لفرط قوة العلاقة بينهما ، تلك العلاقة التي تمتد لأكثر من ربع قرن  ، فدليل تناغمهما وثقة بعضهما في الآخر  أنهما نسقا الانقلاب على معاوية ، وراقبا المرحلة الانتقالية بعده ، وجاءا بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بكامل التنسيق ، وأزاحاه بكامل التنسيق ، وتوليا السلطة بتوزيع الأدوار بينهما ، ظهر ذلك جليا حين دخل ولد عبد العزيز في حكم الغائب عن الحياة في مستشفي "فال دكراس بفرنسا " ، وحين استنفذ ولد عبد العزيز مأموريتيه ، جاء غزواني بكامل التنسيق بينهما أيضا ، فهل شاع أي خلاف بينهما ؟ وهل هنالك من لديه ما يناقض هذا الانسجام بالموقف أو الكلام أو الحركة أو الإيماء ؟؟؟

المعطي الثاني أن غزواني لم تكن السلطة من بين اهتماماته ، بتصريحه وبشهادة المقربين منه ، وبواقع الحال ، حيث أنهي للتو مساره العسكري في أعلي رتبة في تاريخ الجندية الموريتانية ، ما يضمن له تكفل المؤسسة العسكرية بتمكينه من ضمان معاش مريح وحياة كريمة بقية عمره ، ومن أثر فيه لتغيير وجهة نظره حتى قبل بالترشح للرئاسة ، هو محمد ولد عبد العزيز الذي مهد لذلك بتوزيره ، ثم بتقدميه كمرشح له ولحزبه ولداعميه ، وأماط اللثام عن وجهه منعشا حملاته الانتخابية .

ــ المعطي الثالث : أن محمد ولد الغزواني استفاد من ما لم يتح لسابقيه من الرؤساء ، وهو أنه وجد كامل الدعم من السلطة القائمة ، ووجد الدعم وفي الحد الأدنى القبول داخل صفوف المعارضة ، وهذا لسببين :

1 ــ أن المعارضة وصلت لدرجة من الوهن والضعف ؛ جعلتها في حكم العدم وما بقي من روحها أجهزت عليه مقارعة شبح المأمورية الثالثة ، آية ذلك أن القوى الثلاثة الرئيسة في المعارضة " تواصل ، تكتل ، تقدم " فشلت أي منها في تقديم مرشح ، أو في الاتفاق علي مرشح ، أو في دعم مرشح جامع ، ما جعلها تعد ذهاب ولد عبد العزيز انتصارا ، ولأن ذلك يمر بغزواني دفعها ذلك إلى دعمه كيانات وأفرادا ، والاستعداد لقبوله مجتمعة .

ــ بالنسبة للرئيس وأغلبيته : كان  ولد عبد العزيز مرغما علي المغادرة مراعاة لمصالحه ، ليس بدافع ضغط قائم ، وإنما باعتبار الخشية من تدهور قد يؤدي إلى الأسوء ، أما الأغلبية فإن حكمها كحكم يتيم البقر يرضع كل بقرة تمر به ، ولا أدل على ذلك من انخراطهم في حملة تحاشى صاحبها الترشح تحت يافطتهم .

المعطي الرابع : أنه من غير المنطقي ومن البعيد عن الحكمة والرشاد أن يفرط ولد الغزواني في الداعمين السابقين والملتحقين به ، وليس هنالك ما يجبره على المفاضلة بينها ، بل إن المصلحة في التوفيق بينهما ، فهو ليس قائد ثورة ولم يدعي أنه رسول إصلاح ، وفي نفس الوقت له ذاتيته المستقلة التي يفصح عنها كل ما واتت فرصة فرصة لذلك .

 

ــ المعطي الخامس : محمد ولد عبد العزيز أول رئيس في موريتانيا إعلان نتائج خلفه يمثل انتصارا له ، ما يعني أنه لم تتم تنحيته

ولا الثورة عليه ، وهو فوق ذلك الرئيس الوحيد خارج السلطة الذي يتبع له الجهاز "التسييري" لحزب يهيمن علي الحياة العامة من خلال  أغلبية برلمانية مريحة ، ونسبة أكثر من 90% من عمد البلديات  ، وكامل المجالس الجهوية للولايات ، هذا المعطى يجعل ظهوره وحركته لهما معنى ليس لحركات الرؤساء الذين سبقوه (ترشح المرحوم المصطفي ولد السالك وهيدالة ، والمرحوم اعلي ، وطمح سيدي للترشيح ولم يثر ذلك أحدا ) ، هذا الواقع الذي فيه ولد عبد العزيز قد يكون سعى له قبل مغادرته لأن آخر إجراء اتخذه هو ترك الحزب في وضعية تسمح له بتوجيهه حيث يريد ، وطبيعي إذ الحال كذلك أن يسعي لضمان مصالحه في ظل ظروف لا يمكن ضمانها مهما كانت تطمينات واقع الحال .

المعطي السادس : أن عناصر قوة ولد عبد العزيز المشار لها سابقا ، لا يمكن مقارنتها بحال من الأحوال مع قدرته علي التأثير الذي تمتع به حين أطاح بالرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ــ وحسب روايته ــ حين رأس ابن عمه اعل ولد محمد فال ، ومن بعده الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ، وكذلك حين أزاح هذا الأخير ، وعندما تولي هو نفسه الرئاسة ، فالعامل الحاسم في الفرق بين الحالتين هو السيطرة علي قوات الحرس الرئاسي ، ما يجعل عوامل قوته الان بدون صاعق ، فبيادق حزب الاتحاد لا يعول عليها في الاستيلاء بالقوة علي السلطة ، هذا فضلا عن أن مركز قوة عزيز المؤسس على تبعية الجهاز "التسييري " للحزب لا يمكنه أن يخفي حقيقة جلية ، وهي أن علاقة الرئيس بذلك الحزب لا تتجاوز أطرافا في الهيئات التسييرية ، وفي أحسن الأحوال أفرادا من الهيئات القيادية في الحزب دون أن تصل إلي هيئات الحزب الأخرى وقطعا قواعده .

المعطي السابع أن هذا الوضع بما هو عليه يخدم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، لأن وجود فريقين متنافرين ، يتصور أحدهما أنه قام بثورة لم يحرك في سبيلها ساكنا ، وفريق آخر غادرته السلطة فعليا ، يمثل وضعية مريحة للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني ،تساعده في إرساء أسس حكمه بالاستعانة بالطرفين المتنافرين ، حيث يمكنه ذلك  من الحصول من أنصار الإصلاح الراديكالي علي السماح له بضبط إيقاع التغيير المنشود لضمان تحييد القوى المناوئة للتغيير ، وفي المقابل يساعده ذلك في إقناع الفريق الاخر بالتواري  ، وعدم السعي وراء ممارسة نفوذ فعلي لتمكينه من كسب المعارضة السابقة واحتوائها .

المعطى قبل الأخير : بالمقابل هذا الوضع لا يرضى أيا من الطرفين ، فكل خطوة ظهر فيها إجراء يتصور أحد الأطراف فيه اعترافا بالآخر يعد عملا كارثيا ، وأمزجة الناس ومؤشر(الولاء والبراء) لديهم من الرئيس القائم ، يظل يتذبذب صعودا وهبوطا ، بحسب ذلك الحال .

المعطى الأخير أن محاولة ولد عبد العزيز  إيهام خصومه أو معارضيه ،  بقوته على حساب الرئيس غزواني ، وحرصه علي تحقيق أقصى قدر من مصالحه الذاتية ، وسعي الفريق الآخر إلى دفع ولد الغزواني للاستئساد في وجه ما يرونه ضعفا أمام ولد عبد العزيز ، كي  يحققوا من خلال ولد الغزواني في أقصي لحظة انكسارهم ، وضعفهم ، وفي أقصر وقت أقصي ما أملوا من تغيير ، قد يدفع قوة ثالثة إلي التحرك ولن تكون نتيجة ذلك التحرك في مصلحة أي من الطرفين ولا مسار الديمقراطية في موريتانيا ، فالطبيعة تخشي الفراغ ورئاسة الجمهورية لا تقبل الشغور .