بعد مرور أكثر من ربع قرن على "مسعى الدمقرطة" في موريتانيا، ظهر جليا من الممارسة الديمقراطية أنها لا تسمح بالوصول للسلطة بدليل غياب إرادة الناخبين فيما تم من تناوب على السلطة حتى الآن. فهي إذا ممارسة غايتها الاحتفاظ بالسلطة ليس إلا.
خارج "التناوب الانقلابي " لم تعرف البلاد تناوبا على السلطة، وشرعية القوة ظلت في كل مرة مدخلا يفضي لاحقا لشرعية صناديق الاقتراع. وعن طريق شرعية صناديق الاقتراع أمنت أنظمة الحكم هجينة الشرعية أغلبيات تمكنها من ممارسة سلطة كاملة قادرة حتى على تغيير وتعديل معايير ممارسة الشرعية
لذلك لم يكن مستغربا أن تكون لحظات الانتقال من شرعية لأخرى أو ما يمكن تسمية بحالة " فقدان الوزن أو التحرر من الجاذبية " فرصة سانحة لتحقيق مكاسب لصالح الدمقرطة استعصت في كل مرة يستتب الأمر للانقلابيين بعد الحصول على الشرعية الانتخابية:
- ففي عهد "مجلس العدالة والديمقراطية " صيغت التعديلات التي أدخلت ما طرأ على المأمورية عدا وعددا وتحصينا
- و"المجلس الأعلى للدولة" هو الذي قبل من خلال اتفاق دكار اشراف حكومة محاصصة ولجنة انتخابية هي كذلك على الاستحقاقات الرئاسية، وكان ليسمح بأكثر من ذلك في ظروف غير تلك التي وصل فيها للسلطة.
بالإضافة ل "فقدان الوزن أو انعدام الجاذبية " بالنسبة للسلطة الحاكمة، تمثل حالة "التعويم " أو "تحريك الخطوط " بالنسبة للمعارضة وسيلة هامة لتحقيق انجاز على طريق مسار الدمقرطة.
وضعية البلاد الراهنة توفر الحالتين ومثالية للجمع بين الفائدتين شرط ضمان التزامن.
تحقيق تناوب سلمي على السلطة يلوح في الأفق والانتقال من الشرعية الهجينة، حيث المزاوجة بين القوة والانتخاب، إلى شرعية صناديق الاقتراع بالطابع المحلي؛ حيث الإرادات الفردية التي يعبر عنها في الاقتراع وجهت من طرف "الناخبين الكبار "-كما في كل مرة-مضاف لهم " الرئيس المنصرف أو الناخب الأكبر" ولكن هذه المرة في حالة "انعدام الجاذبية".
وضع يمكن تجييره لتحيق مكاسب لصالح الدمقرطة، الشيء الوارد إذا قررت "قوى التغيير" فكرة تحريك الخطوط أو قبلت "التعويم " بالمعنى الاقتصادي؛ وذلك من خلال تحرير "محدد التموقع" من الاصطفاف الخرساني المسبق الذي طبعه منذ فجر مسار الدمقرطة.
الأحزاب السياسية تقوم على برامج لمصلحة الوطن، تتوخى تنفيذها مباشرة إذا مكنت من السلطة، أو بتنفيذها مرحليا وجزئيا من خلال الشراكة في السلطة بمنح الشرعية.
الظرفية الحالية وظروف "قوى التغيير" لا تمكن من الوصول للسلطة لتنفيذ البرامج الهامة التي يحتاجها الوطن. والمتاح عمليا استغلال الوضع لتحسين قواعد اللعبة، وتخليق الطبقة السياسية بقطع الطريق على الموالين بالفطرة الذين يرتهن وجودهم بوجود المعارضة بالاحتراف.
تجربة من ذلك القبيل وفى سبيل تلك الأهداف لها إن قيض لها النجاح أن تساعد من يصل للسلطة على الصلاح والإصلاح، وأن تجنب الوطن الهلاك وفوق ذلك بها " معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون "
وعموما صحراء المعارضة بعيدة من أن تكون جاذبة، وليس أسهل من العودة لها حال فشل المحاولة إن كانت النضالات الشريفة تفشل أصلا.
من صفحة الأستاذ الجامعي والمحامي يعقوب السيف