موريتانيا أرض الرجال .. أرض المحبة والتسامح، على مر تاريخها شهدت قيام حضارات متعددة تنوعت في أعراقها وأجناسها ولغاتها ومشارب ثقافاتها، استطاعت أن تقدم للعالم من خلال هذا التنوع أسمى آيات التعايش والألفة بين مختلف هذه المكونات والثقافات البشرية.
في ظل قيام الدولة الوطنية الحديثة غداة 28 نوفمبر 1960 هب الجميع في تناغم فريد وهم يعبرون عن فرحتهم بالحدث، ويضعون في ألفة وتعاون ومحبة أسس مشروع الدولة الوطنية الجديدة، وما يحمله ذلك من معاني الوحدة والعدل والمساواة، وهكذا استطاع شعب الجمهورية الإسلامية الموريتانية أن يعبر التاريخ بكل طمأنينة ويقدم للعالم نفسه بقوة وشائج الترابط وبحماس الاتحاد والإيمان بالمصير المشترك لكل فرد من أفراد هذه الأمة.
طيلة 58 سنة من تاريخ الدولة الوطنية المعاصرة لم يتمكن دعاة الفتن ومروجو الكراهية من التسلل إلى بنيان هذا المجتمع، الذي تناغم وتجانس بوحدة الدين والمصير، وعلى كثرة مثل هؤلاء الدعاة تمكنت البلاد من عبور مختلف لحظات التأزيم وزرع القلاقل وكان كل أبناء الجمهورية ثابتين على حق منطلقه أن موريتانيا للجميع رفعتها رفعة الكل وتقدمها وازدهارها يسع الجميع، وحمايتها والحفاظ عليها مسؤولية الجميع.
اليوم وفي ظل ما يعيشه العالم من ثورة تكنولوجية وسهولة تواصل عبر مناطق العالم وأفراده وما زرعت أنظمة الاستبداد حول العالم من مشاكل تستهدف الإنسان والأوطان، تناما ما يعرف بخطاب الكراهية والعنصرية، والذي ينطوي في مضمونه على مخاطر حقيقية على الشعوب والدول والكيانات.
لقد مثلت هذه الخطابات التي جردت الإنسان من إنسانيته، شرارة نار أشعلت بلدان عديدة ودمرت شعوبا وأزالت أوطانا من على خارطة الكون، ولازالت تهدد بمزيد من الدمار والخراب.
إن هذا النوع من الخطاب يمثل حمية جاهلية لعرق أو مجموعة أو لون أكثر من الولاء للوطن حاضن الجميع، وهو خطاب به كراهية ونبذ للآخر، كما أنه يدعو إلى انكفاء بعض الشرائح على ذواتها دون مراعاة ضرورات التواصل البشري وزرع المحبة والسلام بين مختلف المكونات.
لقد شهدت موريتانيا ـ التي ليست بالتأكيد على هامش هذا العالم ــ مؤخرا دعوات تحريضية على العنف غير مسبوقة وغريبة على مجتمعنا المسلم المسالم، يحملها خطاب مشحون بروح الانتقام والكراهية والانكفاء على الذات يهدد بشكل جدي تماسكنا الاجتماعي.
إن هذه الدعوات تسعى لضرب مجتمعنا في صميم وحدته الوطنية التي هي أساس وجودنا والتي تستمد قوتها وديمومتها من الدين الإسلامي الحنيف وما يمليه من قيم التضامن والتعاضد والتراحم، وترسخها قيم العيش المشترك عبر تاريخنا الطويل في كنف السلم والوئام الاجتماعيين.
إن هذه اللحمة هي سر قوتنا الفريدة ومناعتنا التي لا حد لها في مواجهة الهزات العنيفة التي عصفت وتعصف بكثير من الشعوب والبلدان، ونحن نشاهد تجارب في أماكن عديدة علينا أن لا نغفل عن هذا ونبقى متماسكين أمام كل محاولات بث الكراهية وخطاب التفرقة بيننا.
وعلى ذلك فإن شعبنا بكل ألوانه ولغاته وثقافاته، مدعوٌ اليوم إلى وثبة مواطنة حقيقية تعزز لحمتنا الاجتماعية وتحميها من عوامل الانهيار، وتؤسس لمرحلة جديدة تجعل الانتماء الوطني فوق كل شيء وسيادة القانون على الجميع.
إن مسيرة المواطنة التي يتم التحضير لتنظيمها في هذا الإطار خلال النصف الأول من شهر يناير الجاري، ستشكل انطلاقة لهذه الوثبة الوطنية من أجل موريتانيا موحدة متصالحة مع ذاتها متحررة من فكر دعاة الفتنة ومروجي الكراهية ومثيري القلاقل والبلابل، موريتانيا يعيش الجميع فيها كما كانوا في سلام وأمن ومحبة، لا ولاء لهم إلا للوطن ولا شيء غير الوطن.
حفظ الله موريتانيا وشعبها.
ل إ ح ا م ج