بقلم: محفوظ ولد أعزيز
عندما اتجه الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى سياسة الأمركة و التطبيع و أدار ظهره بالكامل لقضايا الأمة و حقوقها المغتصبة في فلسطين، كان القائد الخالد حافظ الأسد رحمه الله يخوض معركة الرفض لهذا المسار ويتصدى لتبعاته السياسية المؤلمة حيث أنه من أبسط تبعات هذه السياسة الساداتية أنها دقت مسمارا في خاصرة التضامن العربي في مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني و سياساته العدوانية التوسعية.
لقد حمت سوريا الأسد أمتنا من السقوط في براثن كامب ديفيد و قدمت في سبيل تثبيت صفوف الأمة في مواجهة مسارات التنكر و التفريط والتطبيع الكثير من التضحيات المادية والبشرية، حيث واجهت حصارات قاسية متتالية على جميع المستويات، و خلال العقود المنصرمة من عمر كامب ديفيد و بعد أن فشلت سياسة الحصار في تركيع الشقيقة سوريا و جر قيادتها المؤمنة حدّ التبتل بحقوق أمتها و بثوابتها الوطنية والقومية، اتجه أعداء أمتنا بعد أن تأكدوا أنهم إذا كانوا قد أمنوا الكيان الصهيوني ضمن معادلة لا حرب بدون مصر، فقد أيقنوا أيضا أنه لا سلام بدون سوريا. عندها بدأ البحث عن أنجع الطرق لتحييد و تركيع سوريا ليصبح الطريق إلى تهويد القدس و القضاء على حقوق الشعب الفلسطيني و جر كامل العرب إلى التسليم بحقيقة وجود "إسرائيل" في قلب هذه الأمة سالكا دون أن تقدم الصهيونية العالمية و حاميتها الولايات المتحدة الأمريكية أي تنازل يضمن الحد الأدنى من حقوق أصحاب هذه الأرض الأصليين الذين تم تهجيرهم و تشريدهم من أرض أبائهم و أجدادهم. إن ما نشاهده هذه الأيام من هرولة و إذعان مذل نحو التطبيع و التسليم للإرادة الأمريكية و الإسرائيلية إنما هو ثمرة سبع سنوات من الجريمة المنظمة و الحرب الكونية الظالمة ضد الشقيقة سوريا التي ظلت تشكل على الدوام حالتين متميزتين في الواقع الرسمي العربي، الحالة الأولى: هي أنها ظلت تحتضن الرفض الفلسطيني وتشكل الملاذ الآمن لكل المؤمنين باستعادة الحقوق كاملة غير منقوصة، و الحالة الثانية: أنها كانت تشكل الصوت المسموع داخل النظام الرسمي العربي الذي يعبر عن وجدان الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، هذا الصوت الذي ظل على الدوام يردد و بشكل مؤثر جدا في المحيط العربي و الدولي "لا سلام و لا استسلام دون الحصول على الحقوق العربية و الفلسطينية كاملة غير منقوصة".
عزيزي القارئ ما نشاهده هذه الأيام من تسليم من قادة هذه المنظومة العربية الرجعية المتهالكة للإرادة الأمريكية و الإسرائيلية هو ثمرة تمويل هذه الأنظمة للمشروع الصهيو ـ أمريكي الغربي لتدمير سوريا و تحييدها عن لعب دورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق و المصالح العربية و حمايتها من كيد الكائدين و عبث العابثين. لقد تنبهت الصهيونية العالمية و حاميتها الإمبريالية الأمريكية منذ توقيع صفقة كامب ديفيد التآمرية، إلى أن التسليم بحتمية هيمنة إسرائيل على المنطقة العربية لن يُكتب له النجاح مادامت سوريا الأسد و نهجها القومي التقدمي المقاوم يرابطان على الحدود الشمالية لفلسطين السليبة بتلك الإرادة المؤمنة بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، هذه القاعدة التي تكرسها يوميا الغطرسة الصهيونية و ممارساتها الإجرامية المتحدية لكل الأعراف و القوانين الدولية.
عزيزي القارئ لقد بادرت الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الصهيوني لخطف ثمار محرقتهم في القطر العربي السوري، هذه المحرقة التي موُلها و جند لها المرتزقة من شتى بقاع الأرض حكام الخليج و النظام التركي و أتباعهم في النظام الرسمي العربي.
إن ما نشاهده هذه الأيام من إذعان و هرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني إنما هو سباق مع الزمن لطي صفحة القضية الفلسطينية و تصفيتها قبل أن تستعيد سوريا الأسد دورها و تنفض عن كاهلها ركام سبع سنوات عجاف لم يبق خلالها أي شكل من أشكال الإرهاب و الجريمة المنظمة إلا و مورس ضد هذا القطر العربي المقاوم.
إن المشروع الأمريكي الإسرائيلي اليوم يسابق الزمن و عيونه ترصد بقلق مستقبل المشروع الصهيوني في فلسطين في مواجهة العناد السوري الذي داس تحت أقدام حوارييه الأبرار أخطر مشروع أعد لأمتنا و المنطقة .. إنه مشروع الجحيم العربي المسمى زورا و بهتانا بـ"الربيع العربي". لقد أيقن العرّاب الأمريكي أن الحالة الأسدية المتميزة في الماضي و الحاضر لا يمكن تروضها و جرها إلى معبد الذل و الهوان الصهيو ـ أمريكي الذي يركع في دهاليزه المظلمة أغلب قادة النظام الرسمي العربي.. لهذا السبب حاولوا و سيظلون يحاولون التخلص من هذه البقعة المضيئة ـ سورية الأسد ـ في ليل الذل و الهوان العربيين.