فى سبيل البيان رقم 2 و3 ...
حين أعطت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في بيان إعلان نتائج الشوط الأول من استحقاقات الفاتح موعدا للقاء: " في نتائج الشوط الثاني يوم 15 سبتمبر" كشف سبق لسانها ذاك أنها مخلفة موعدها لا محالة، وأنها تحدثت بلسان غيرها، فاللجنة تدرك قبل غيرها أنه لكي تكون نتائج شوط ثان يجب أن يكون اقتراع، يعقبه انتظار لا تستعجله آجال، قبل أن تكون نتائج. وأن هاجس اللجنة وهمها الأكبر أولى به أن ينصرف للعمليات السابقة على إعلان النتائج، على النقيض من الفرقاء السياسيين الذين همهم النتيجة.
ومع ذلك يمكن فهم سبق لسان اللجنة ، وهي التي قمع تعرضها للآجال مبكرا ؛ حين ألغت المحكمة العليا البيان –رقم واحد- الذى سمحت فيه اللجنة بتمديد أجل استقبال ملفات الترشح للانتخابات البلدية ، ما يفسر خلفية حديثها عن تاريخ إعلان النتائج غير المبوب عليه ، وتحاشى ذكر أجل الاقتراع المحدد مثلا، بمقتضى المادتين 24 و25 من الأمر القانوني رقم 2012-029 المعدل لبعض أحكام الأمر القانوني رقم 91-028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المعدل، المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب نواب الجمعية الوطنية:" إذا لم تحصل إحدى اللوائح المتنافسة على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها في الشوط الأول، فإنه يتم إجراء شوط ثان بعد أسبوعين " " "إذا لم يحصل أحد المترشحين على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها في الشوط الأول، يجرى شوط ثان بعد أسبوعين ..."
على الرغم أن تحديد أجل الشوط الثاني بتلك الصيغة كان ليسمح للجنة ، ولمصلحة عملها بتحديد تاريخ أبعد من 15 سبتمبر كأجل لإجراء الشوط الثاني ؛ على اعتبار أن بداية حساب "بعد أسبوعين " تكون من تاريخ معرفة عدم حصول إحدى اللوائح أو المترشحين على الأغلبية ؛ أي من تاريخ إعلان النتيجة ، وليس تاريخ يوم اقتراع الشوط الأول ؛ وإلا لكانت العبارة المناسبة "يفصل بين " وليس "بعد" . هذا بالإضافة لما يمثله ذلك المعنى من وفاء بالحد الأدنى لمتطلبات آجال تقديم الطعون "ثمانية أيام " والحد الأقصى للفصل في تلك الطعون "خمسة عشر يوما "
وفى الواقع لم تكن تلك العقدة لتطبع عمل التشكلة الجديدة للجنة لولا غياب المؤسسية والاستمرارية، ذلك أن التشكلة السابقة للجنة أقدمت أكثر من مرة على تأجيل آجال الانتخابات تأسيسا على الصلاحيات التي يعطيها القانون كجهة إشراف على الانتخابات من إعداد الملف الانتخابي حتى إعلان النتائج ؛ فأجلت عن طريق مداولة بتاريخ 21 أغسطس 2013 الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في 11و12 من أكتوبر بالنسبة لشوطها الأول و في 25 و26 من نفس الشهر بالنسبة لشوطها الثاني ، إلى يومي الجمعة و السبت 22 و23 نوفمبر بالنسبة للشوط الأول ، ويومي الجمعة و السبت 6 و7 دجمبر 2013 في حالة شوط ثان .
واللجنة في تأسيس ما أقرت من تأجيل في مداولتها تلك اكتفت بوجود طلب من " لجنة المتابعة " وهي الحيثية التي لن تعدمها التشكلة الحالية للجنة؛ على اعتبار تمثيل أعضائها، من غير الرئيس، بشكل مباشر لأطراف الحوار.
مرة ثانية وبمناسبة ذات الاستحقاقات وجدت التشكلة السابقة للجنة نفسها بحاجة إلى تأجيل إجراء الشوط الثاني، بعد أن تأخرت في إعلان النتائج، وترتب على ذلك التأخير استحالة إجراء الشوط الثاني في الموعد المعتمد له "اسبوعين" نظرا لأن نتائج الشوط الأول لا تحلى بالصبغة النهائية إلا بعد انقضاء آجال الطعن أو تثبيت المحكمة العليا أو المجلس الدستوري للطعين منها – (المادة22 من القانون النظامي رقم 2012-027 الصادر بتاريخ 12إبريل 2012المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات تنص على : " يبت المجلس الدستوري أو المحكمة العليا حسب الحالة، نهائيا في أجل أقصاه 15 يوما اعتبارا من تاريخ تعهده بالطعن" ) –، ولأن معرفة المؤهلين للشوط الثاني متعلقة بتلك الآجال، فإن إعداد بطاقات التصويت هو الآخر يتعلق بمعرفة أولئك المؤهلين.
هكذا، ولمواجهة تلك الوضعية ، وبناءا على ورقة للجنة أعدها الأستاذ "أحمد سالم ولد ببوط" عن :(بعض النواحي القانونية للانتخابات التشريعية والبلدية 2013 "الطعون وتأجيل الشوط الثاني من الانتخابات" ) و اقترح فيها ، تأسيسا على حالة مشابهة عرفتها فرنسا بمناسبة الانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 1974 وأعطى فيها مجلسها الدستوري لنفسه الحق - بمناسبة تلك الحالة غير العادية – في تأجيل الشوط الثاني (الإعلان رقم 74-33 بتاريخ 24 مايو 1974 ) ، أنه بتشارك السلطة المختصة بتحديد تاريخ الانتخاب و "لجنة التسيير" باعتبارها السلطة المسؤولة عن حسن تنظيم عمليات الاقتراع يمكن تأجيل الشوط الثاني من خلال مداولة تضفى عليها الرسمية من خلال مرسوم بتاريخ جديد يسمح للطعون بوصول مداها ،ص وللجنة باقتناء مستلزمات الاقتراع.
بادرت اللجنة إلى اعتماد مداولة بتاريخ 2 دجمبر 2013 بطلب تأجيل الشوط الثاني إلى يومي 20و21 دجمبر، بعد أن كان المقرر له 6 و7 من نفس الشهر، لكن الحكومة لم تبادر إلى إصدار المرسوم المرسم لذاك التاريخ إلا بعد رأي المجلس الدستوري الاستشاري رقم 2013-008 /م.د بتاريخ 3 دجمبر الذي اعتبرته الحكومة إيجابيا ، وأصدرت على أساسه مرسوما يقضى بتأجيل الشوط الثاني كما قررت مداولة "اللجنة" -رغم أن الطريقتين اللتين حددهما رأي المجلس الدستوري للحكومة حتى يتأتى لها تغيير موعد الشوط الثاني تمران : إما بالبرلمان للحصول على "التأهيل" "المادة 60". أو أن تعود للمجلس ثانية، ليعلن الطبيعة التنظيمية لموضوع ذلك المرسوم "المادة 59 " وهو ما تجاهلته الحكومة تماما-
لقد كانت صدمة الغاء بيان اللجنة رقم 1 بتمديد أجل استقبال ملفات الترشح مؤثرة للغاية. ودفعت لتراجع الأمل بتمكين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات من الصلاحيات الضرورية لتأدية مسؤولياتها الشاملة بخصوص الانتخابات من خلال تخويلها صلاحية تنظيم ما بقي مما يمس مسؤولياتها منظما عن طريق المراسيم، رغم تعلق حسن أداء اللجنة بالحق في المبادرة الذاتية بشأنه.
إلى حين الوصول لذلك، فإن على اللجنة الذود عن حقها المكتسب في مبادرة تعديل الآجال من خلال مداولة داخل "لجنة التسيير" ، حتى ولو ظلت بحاجة للحكومة لإضفاء الرسمية على ذلك التعديل من خلال مرسوم، ويجب أن يتم ذلك كله بالتنسيق التام بين اللجنة والحكومة وأيضا المجلس الدستوري والمحكمة العليا ؛ فالسلطات مطالبة بدعم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في كل ما يخدم مسؤولياتها المتعلقة بالعملية الانتخابية، وعجزها عن القيام بمهامها تصوره نص إنشائها في مادته 11 "لأسباب تتحملها هي بمفردها..." على افتراض أنه لا يمكن أن تكون السلطات العمومية مصدره . كما أن أهمية الآجال وتأثيرها على سير تلك العملية ليس محل تجاذب يمنع الوصول لمثل ذلك التناغم.
التناغم الذي تحتاجه اللجنة داخلها وربما سيمثل التحدي الأساسي أمامها بعد انقضاء حالة الاستثناء التي فرضها تسيير الواقع الانتخابي اللحظي. الحالة التي حكمت تعاطي رئيس اللجنة مع الوقائع والواقع بمنطق تقليص الخسائر وفى سبيل الظهور بصورة الفريق الموحد-على خلاف الحقيقة -للوصول لتنظيم استحقاقات الفاتح بصورة متقبلة.
لكن، بعد خفوت الحديث عن النتائج، سيحين الوقت لحديث اللجنة عن نفسها. والمؤكد أن الغير سيتحدث عنها؛ وتلك سانحة للمطالبة بنقل السلطات والصلاحيات الضرورية لتمكين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات من النهوض بالتكليفات الملقاة على عاتقها.
الأستاذ يعقوب ولد السيف