يروى أن أحد ركاب قطار متجه للقاهرة من الصعيد جلس بجانبه ريفي يضع عند رجليه كيسا كبيرا تخرج منه أصوات ويتحرك بشكل مريب.
في كل نصف ساعة تقريبا كانت حركة الكيس تهدأ فيأخذ الرجل في هزه بقوة ويرجعه لمكانه فتتزايد الأصوات والحركات.
تكرر الفعل مرات ومرات، فما كان من الرجل إلا ان سأله عن حمولة الكيس وسبب هزه بين الفينة والأخرى.
شرح له انه ممتلئ بالفئران التي يحملها ليبيعها لمختبرات جامعة القاهرة لإجراء تجارب علمية، وانه عند هزها يضرب بعضها بعضا وتنشغل بعدها بالتقاتل فيما بينها لفترة، وتتوقف عن قرض الكيس والسعي للهروب.
جل الأحكام العسكرية عرفت نفس التقنية، وحولت الانتخابات من وسيلة تغيير سلمية وإشراك للشعب في إدارة شؤونه إلى أداة لإشغال الناس ببعضهم وإثارة الحزازات القبلية والجهوية والأسرية.
المصيبة أن الجهل المستشري يجعل الصراع الطبيعي بين الشعب وطغمة الفساد العسكرية وأعوانهم يتحول إلى حرب ضروس بين أبناء الوطن الواحد.
الأغلبية لا تهتم بالنهب المنظم لخيرات البلد من قلة تعد على أصابع اليد، ولا حتى تحويلهم الى أتباع أذلاء في وطنهم، ولكنها ترتجف غضبا وتتميز غيظا لمجرد التفكير أن أسرتهم التي أنجبت صاحب النظم الركيك "النجم الوضاء في أحكام الاستبراء " ستخسر البلدية لصالح أبناء عمومتهم، وتجد آخرين مستعدين لبذل الغالي والرخيص وصرف ما يملكون لمنع القبيلة التي هزموها منذ مئات السنين في المعركة التافهة "ظهر الخنفوس" من تمثيل المقاطعة في مجلس النواب.
في هذه المهازل تهدر مليارات من جيوب أحد أفقر شعوب الكرة الأرضية في تأجير السيارات والأناشيد الركيكة والأقمشة الفاقعة الألوان وفي النهاية تختتم القصة بصدور تعتمل غلا وكرها.
النخبة المتعلمة تنزلق مع العوام في مستنقع الصراعات القبلية والأسرية، وتساهم في حرف الصراع عن مجراه الطبيعي بين الظالم والمظلوم بين الأقلية الفاسدة وأغلبية الشعب المطحون.
بدون تصحيح مسار الصراع، ومحاولة استغلال جو الحملات في التركيز على نشر الوعي بأننا جميعا ضحايا طغمة فاسدة لا يهمها إلا ملء بطونها، والعمل على هزيمتها بكل الوسائل والتركيز على مكمن الداء وأصل البلاء، ومؤازرة الأصوات الصادقة بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والقبلية والجهوية والعرقية، ستظل الانتخابات مجرد هزة من هزات عديدة لكيس الفئران الذي أسرنا فيه منذ زمن بعيد.