نوافذ (نواكشوط ) ــ كتب المحامي يعقوب ولد السيف بين يدي الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للقضاء مقالا عنونه ب : والمجلس على الأبواب وقد بلغت القلوب الحناجر : التحويل العزل والعزل بالتحويل مقابل القبول بالمنافي للتمتع بالاستقلالية " .
وهذا نص المقال :
مبدأ عدم قابلية قضاة الحكم للعزل وإن لم يرد عليه التنصيص فى الدستور الموريتاني إلا أن استقلالية السلطة القضائية المتضمنة فى المادة 89 لا تتصور بدون تكريسه . فهو الضمانة الحقيقية لحماية استقلالية المحاكم وحق المتقاضين فى قضاتهم الطبيعيين (المادة 7/ ت-ق -م)
إن مدخل المساس بعدم قابلية القضاة للعزل يكمن فى التحويل . الأمر الذى جعل قرار المجلس الدستوري رقم :007/إ.م بتاريخ 21 يوليو 1993يعد التحويل "فى غياب طلب حر من القاضي أو عقوبة تأديبية " الإسم الآخر للعزل
أما النظام الأساسي للقضاء فحدد الحالات التي يكون فيها تحويل القضاة غير مشوب بالعزل في مادته الثامنة بالصياغة التالية ** :
"لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحولون إلا
1-بطلب منهم
2-أو بعقوبة تأديبية
3-أو لضرورة قاهرة للعمل
4-وبعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء."
أولا: التحويل بناء على طلب :
رغم أن القانون -على حد علمي -لم يحدد وجهة للطلبات من ذلك القبيل، فإن العادة جرت أن أصحاب الشرف لديهم قناعة " قناعة القضاة " بعدم تقديم طلبات للتحويل إلى المجلس الأعلى للقضاء الذى هو صاحب الرأي في مجال التحويلات " المادة 08 " . أوإلى وزير العدل الذى يتبع له القضاة إداريا "المادة 06" أو بصفته من يقترح جدول أعمال المجلس "المادة 50 " . أو بسبب خضوع بعضهم لسلطته كما هو الحال بالنسبة لقضاة النيابة " المادة 09 " .
كما لا يقدم القضاة الجالسون طلباتهم للتحويلات لرئيس المحكمة العليا الذى يتبعون له بنص المادة "33" أولأنه جهة تقويمهم (تقييم ) "المادة 24 " أو لأنه المكلف فوق كل ذلك بضمان حسن الإدارة القضائية المادة "07"
والمفارقة بهذا الخصوص أن غياب طلبات للتحويل وفق ما تضمنته "م 08 " تقابله "طلبات فى صيغة وساطات" خارج ذلك الإطار من أصحاب الشرف إن لم يكن للتحويل فلعدمه.
ثانيا-التحويل بفعل عقوبة تأديبية:
ولأنه بفعل عقوبة، فإن اقراره لا يتخذ في المجلس بل مجرد انفاذه. فالمادة المنظمة للعقوبات التأديبية المطبقة على القضاة "المادة 34" أطلقت عليه " التحويل التلقائي " وجعلته في تلك الحالة عقوبة أصلية ، مع إمكانية توقيعه كعقوبة تكميلية " م 35 " ولأنه عقوبة فجهة توقيعها هي التشكلة التأديبية - بحسب الحالة - على النحو المحدد في " م 48 " ، وهو على ذالك لا يمكن حين اقراره من المجلس أن يشكل مفاجأة للمتخذ بحقهم لأن القانون - نظريا – مكن لهم إبلاغ حججهم بشكل شخصي أو الاستعانة بزملائهم أو توكيل محام "م 42" . وحصن ذالك التمكين حين رتب على عدم اطلاعهم على الملفات المقدمة عنهم قابلية الطعن استثناءا من قرارات المجلس الأعلى للقضاءالمحصنة.
يمكن الجزم أن قرارات التشكلتين التأديبيتين لم ترفد يوما من الأيام المجلس في التأسيس لقراراته بتحويل القضاة.
ثالثا-أو لضرورة قاهرة للعمل:
صياغة دقيقة ودالة فالجمع بين الضرورة والقهر لا تترك مجالا للتأويل، فالضرورة فوق أنها "تبيح المحظور " ، فإن عدم مراعاتها يهدد سير مرفق عمومي بمرتبة القضاء. ورغم ذالك قرنت تلك الضرورة بالقهر؛ بمعني غياب الخيارات.
على ذلك يمكن حصر حالات الضرورة القاهرة المبررة لتحويل القضاة في :
-حالة واحدة صريحة؛ هي حين يحتاج العمل القضائي قاضيا بذاته لميزة نسبية يحوزها بسبب تكوينه أو خبرته المكتسبة بفعل الممارسة.
-وفى نصف حالة لسد فراغ قد يحصل في إحدى الهيئات القضائية، مع ما يثيره ذلك من اشكالات أصعبها تحديد أساس اختيار قاض دون آخر لذلك ، وليس أهونها صعوبة فهم الحاجة إلى ذلك في ظل وجود فريق احتياط من القضاة في الوظائف غير القضائية.
ما يتم من تحويلات يصعب حشرها تحت هذه " الضرورة القاهرة " والأكثر من ذلك ربطها بمصلحة العمل.
رابعا-رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء:
مطابقة رأي المجلس الأعلى للقضاء تعنى أن ليس للمجلس مبادرة اتخاذ قرار بتحويل القضاة؛ فرأيه مطابقته إما:
- لطب التحويل " إرادة القاضي "
- أو لقرار التأديب " إرادة الهيأة التأديبية "
- واما لضرورة العمل " بفعل ضرورة قاهرة"
** ورغم هذا التحديد الحصري ،لا يمكن بحال من الأحول تحويل الوظائف القضائية إلى اقطاعيات مؤبدة، ولا اعتماد نظرية المحتل الأول في توزيعها، فمسوغات تبادل القضاة على المسؤوليات والهيئات القضائية وجيهة ومجدية؛ فبها توزع العدالة – وحتى الظلم – بعدالة على امتداد توزيع الهيئات القضائية، ويحد من إمكانية التأثير على القضاة. وبها يضمن انصاف القضاة أنفسهم ؛ فالمسؤوليات القضائية وباستعارة عبارة الألمعي صاحب الشرف "هارون ولد إد يقبي " منها "مبلول ويابس " والهيئات القضائية تنتشر على امتداد التراب الوطني وموقعها على الخريطة عامل جذب أو ضده ، وضمان تناوب القضاة على تلك المسؤوليات والهيئات (في ظل غياب ربط المسؤوليات سلفا بالرتب . ودون مراعاة تقسيم الأقاليم المستضيفة للمحاكم على أساس وجود الظروف الملائمة للعيش) وفق معايير واضحة ضروري لإنصاف الجميع والحيلولة دون التأثير عليهم بمحاباتهم أو معاقبتهم بمسؤولية أو مكان عمل من أي جهة حتى ولو كانت من داخل السلطة القضائية.
لذلك وسعيا لتحقيق مثل هذا الانصاف تقسم بعض الدول المسار المهني للقضاة بشكل مضبوط سلفا على المطلوب المرغوب وضده، إما بتطبيق ذلك التقسيم بشكل تلقائي أو بترك الاختيار للقضاة ليختاروا بأنفسهم بأيهما تكون البداية أو الانتهاء.