نوافذ (نواكشوط ) ــ من بعيد، يبدو لي المشهد السياسي كالآتي:
جهاتٌ سياسيّة وازنة لا شكّ في نضجها وإخلاصها ووفائها للشعب والوطن ترى أنَّه لا مناصَّ من المشاركة في الانتخابات القادمة، وتُجري اتصالات للحصول علىى تنازلات تَزيدُ من حظوظها وحظوظ المعارضة عموما؛ ومع ذلك تَرغَبُ في الحِفاظ على هيبتها ومصداقيتها في الأوساط الشعبيّة وعلاقاتها مع أطراف أخرى في "مجموعة 8" (G8) أكثر صرامة. وفي المحصِّلة: تردُّدٌ وتَحَيُّرٌ وتلجلجٌ في الموقف؛
ولسانُ حالهم يُرَدِّدُ مُخاطبا الرّئيس عزيز طلعَ قديمة للعَلاّمَة امحمد ولد أحمد يوره، يقول فيها (بتصرُّف مِنّي):
إيلا جَيْتكْ يَـ اغْلَ لجْــوادْ @ يَنْگال أنِّ جَيْتـكْ مَجَّـــادْ
أُذَاكْ اعْلَ قَدْرِ ماه امْگادْ @ و يلاَ ما جَيْتكْ والغَـيْـتَـكْ
عَـنْد تثْقَــــالْ اعْلــيَّ زادْ @ مَـنْصـابِ جَيْتكْ مَا جَيْتكْ
رأيي الشّخصي،
في السياسة، لا شيء أفضل وأزكى من وضوح الرّؤية والموقف. وفي النّفَق المظلم الذي تمُرُّ به موريتانيا اليوم؛ فإما أن يكون المرء "ابراغماتيا" و"مَرِنا"، فيُحاوِر النظام علنا وبقوّة لانتزاع ما يُمكن انتِزاعه من تنازلات، ويَبدأ فورا في إعداد معركة الانتخابات؛ وإمّا أن يكونَ "مِثاليّا" و "عمودِيّا"، فيُعلن المقاطعة بوضوح ويبدأ في بلورة طرُق نضاليّة مقنِعة لإفشال سياسات التظام.. أمّا أن يكون المرء في مَنزِلة بين المنزلتين، فذلك خطأ بحسب رأيي المتواضِع. ونحن كمراقبين مستقلين لم نَرَ حتى الآن استعدادات عمليّة جادّة للمشاركة ولا خطط نضاليّة مقنعة لصدّ النظام عن مساره.
شخصيا، قلت رأيي في هذا الموضوع منذ 3 سنوات... قلتُ بأنّ إنجازا عظيما يتحقّقُ الآن أو على الأصح يوشِكُ أن يتحقّق على يَد هذا الجيل من الوطنيين المناضلين؛ ألا وهو : دَسْتَرَة البلاد وتحقيق التناوُب السلمي على السلطة بقوّة القانون! وقد يكون ذلك التناوب لصالح المعارضة مباشرة أو من خلال جهة مستقِلة، وقد يكون لصالح الفريق الحاكم؛ ولكنه في كلّ الأحوال يبقى إنجازا تاريخيّا في بلد لم يعمل بالدستور منذ نشأته، ولم يعرف قطّ غَير الانقلابات العسكرية،،ًً
أنْ يخرُج رئيس للجمهوريّة اليَوم طوعا أو كرها احتراما للدستور؛ فهذا إنجاز عظيم وانتصار تاريخي لسائر القوى والتيارات الوطنية والديمقراطية، ولا يجوز التفريط فيه ولا تبخيسه ولا التقليل من شأنه.. ولذلك، اقتَرَحتُ البناء على هذا المُعطى، والمشاركة في المعركة القادمة لحصد المزيد من المكاسب الديمقراطية،،، المُهم والأساسي أنْ نستغِل الممكن وما يُتيحُهُ خروج الرئيس وتأثيراته المحتَمَلة، وخَلخَلة قواعده، وتَوسيع دائرة النّسبِيّة، والاستياء العارم من الأوضاع السائدة، إلخ... حتى ننتَجاوَز 2018-2019 بأمن وسلام... ونغرِسَ مبدأ التناوُب على السلطة ! إن تحقّق المطلوب من قبيل فَوز المعارضة اليَوم فَنِعمّا هِي، وإلاّ فسيَتَحَقّق غداً لشباب اليَوم.. هذا ما أراهُ، والله تعالى أعلم.