تسعى جميع الأحزاب السياسية في العالم لهدف واحد و هو الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، و ممارستها وفقا للقوانين و الدستور،و ينخرط الناس في الأحزاب السياسية من أجل الاستفادة من هذه الميزة، و تتنافس الأحزاب السياسية في تقديم برامج تغري المواطنين للتصويت لمرشحيها، كي يتمكنوا من الوصول إلى السلطة،فالأحزاب السياسية ليست شركات تجارية،تسعى لتحقيق الأرباح،وليست منظمات خيرية غير ربحية، تهتم بمساعدة المحتاجين، و لا تريد جزاء و لا شكورا، لذلك لم يتفهم معظم المراقبين في موريتانيا أن يكون الجهاز التنفيذي -في معظمه-من خارج الأحزاب السياسية الداعمة للنظام،و كأن مناضلي تلك الأحزاب ليسوا مؤهلين لشغل المناصب، رغم كفاءات بعضهم العالية.
و إذا كان هذا هو واقع الأحزاب السياسية الطبيعي في جميع دول العالم الديمقراطية، فإن واقع الحكومات عادة لا يخلو من احتمالات محددة،تشكل طبيعة الحكومة التي تمارس السلطة التنفيذية،و هي:
إما أن تكون حكومة أغلبية سياسية،و هذا هو الوضع الطبيعي، حيث يقوم رئيس الدولة بتكليف شخصية سياسية داعمة له،-و غالبا ما تكون من الحزب الأكبر الداعم لنظامه-بتشكيل حكومة،و يكون معظم الوزراء من مناضلي الأحزاب الداعمة للنظام،و حينها يحصل التكامل بين الذراع السياسية للنظام ،و الجهاز التنفيذي له فيتحقق تجسيد البرنامج الانتخابي على أرض الواقع، و يتم توفير الغطاء السياسي، و الدعم الشعبي لبرامج النظام،و سياساته.
الاحتمال الثاني أن تكون هناك حكومة "تكنوقراط" من الخبراء و الشخصيات المستقلة غير المنتمية سياسيا،و تلجأ الأنظمة عادة لهذا الخيار في حالات معينة،عندما يتعذر التوافق السياسي بين الفرقاء، أو عندما لا تكون هناك أغلبية سياسية أفرزتها انتخابات معترف بنتائجها،أو في حالة الأزمات ،و الوضع في موريتانيا لا ينطبق عليه أي من هذه الاحتمالات، فالبلد لا يعيش أزمة سياسية، وهناك أغلبية سياسية مريحة داعمة للنظام، ممثلة في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الأكبر تمثيلا في البرلمان، والمجالس المحلية، وبقية أحزاب الأغلبية.
النوع الثالث من الحكومات هو: حكومة توافق وطني، وتكون مشكلة ما بين الأغلبية، والمعارضة، بعد التوصل إلى حد أدنى من القواسم المشتركة بين الطرفين، وتلجأ الدول عادة لهذا الخيار عندما لا تكون لدى النظام أغلبية سياسية "مريحة"، فيلجأ للتحالف مع معارضيه، لضمان تمرير سياساته في البرلمان، والشارع، و الواقع في موريتانيا بعيد من هذا الاحتمال، فالبلد لا يعيش أزمة سياسية، وهناك أغلبية سياسية داعمة للنظام، كما أن النظام متفوق على معارضيه على مستوى الشارع، لذلك فلا شيء يجبره على التحالف مع المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
هذه هي أنواع الحكومات في جميع أنحاء العالم، ولكن السؤال المطروح اليوم بإلحاح هو: هل حكومتنا تندرج ضمن أحد الخيارات السابقة، أم هي حكومة "غير مصنفة"..؟؟.
إن إلقاء نظرة بسيطة على التشكيلة الحكومية الحالية، و الرجوع للسير الذاتية للوزراء تؤكد أن معظمهم لم تحمله صناديق اقتراع، أو قاعدة شعبية إلى منصبه، كما أن توزير بعضهم لم يأت نتيحة لكفاءاتهم الخارقة، فطابور الأكفاء و الخبراء طويل قبل أن يصل إلى بعض الوزراء، مع احترامنا لكفاءتهم، إلا أن أعمار بعضهم لا تسمح لهم بتراكم تجربة علمية، و مهنية، و سياسية، تؤهله لمنصب وزير، و بالتأكيد ليس من بين أعضاء الحكومة قادة في أحزاب المعارضة، حتى نصنفها كحكومة وحدة وطنية.
هي إذا حكومة "هجينة"، هي خليط غير متجانس، لا في السن، ولا التوجهات الأيديولوجية، ولا الماضي السياسي القريب، والبعيد، ولعل هذا ما خلق الصراع الذي يتحدث عنه الجميع اليوم في الجهاز التنفيذي، وأوجد ظاهرة التعيينات "الانتقامية" والإقالات "الكيدية" التي تشهدها مختلف القطاعات الحكومية حاليا.
إن على مناضلي الأحزاب السياسية، والشخصيات الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز ألا يخجلوا من المطالبة بإشراكهم في تسيير شؤون البلد، فالأحزاب - كما ذكرنا- إنما أنشئت من أجل الوصول إلى السلطة، وممارستها، كما أن إشراك الذراع السياسية للنظام في الوظائف، والتسيير العام يصب في مصلحة النظام في النهاية، إذ ليس من مصلحة أي نظام أن يتم وصفه بأنه نظام لا يوظف أنصاره، ولا يغيظ معارضيه.
موقع : الوسط