نوافذ (نواكشوط ) ــ
القرب حجاب ..
في رسالته ( كتاب فصل ما بين العداوة والحسد) يعترف الجاحظ بأن تكالب الحساد عليه في عصره جعله يؤلف الكتاب أحيانا وينسبه لغيره من المؤلفين الذين سبقوا عصره .
يقول : " وربما ألفتُ الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه ( الضمير هنا يحيل إلى كتاب سبق وأن ألفه فتسارقه الحساد وطعن فيه الأعداء) .. فأترجمه باسم غيري، وأحيله على من تقدمني عصره مثل ابن المقفع والخليل وسَلْم صاحب بيت الحكمة ويحي بن خالد والعتابي، ومن أشبه هؤلاء من مؤلفي الكتب.. فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب، لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته علي، ويكتبونه بخطوطهم ويصيرونه إماما يقتدون به، ويتدارسونه بينهم، ويتأدبون به، ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم وخطاباتهم، ويروونه عني لغيرهم من طلاب ذلك الجنس، فتثبت لهم به رياسة، ويأتم بهم قوم فيه.. لأنه لم يترجم باسمي ولم يُنسب إلى تأليفي".
هذا النص يؤكد مشكلة متأصلة في البشر عموما وفِي العرب بصفة خاصة.. وكانوا يفسرون تلك الظاهرة بقولهم :
( القرب حجاب) و ( المعاصرة تمنع المناصرة) ..
إن هذه الاشكالية جعلتنا نفقد طاقات ابداعية كبيرة .. نغمطها حقها في الاحتفاء والذكر والتنويه .. نحسد لها حقها في الاعتراف لها بتميزها ..
لكنها عندما تغادرنا .. هنا فقط نملك الجرأة على الاعتراف لها بذلك التميز ... ذلك أننا متأكدون بأنها لم تعد معنا في هذه الفانية .. ولم يعد لحسدها مبرر ..
تذكرت هذه الخواطر وأنا أقرأ عن المبدع الراحل، الانسان الشيخ ولد بلعمش رحمه الله...
كان الفضاء والشارع ومسجد الصلاة والمقبرة .. كلها أمكنة تضج بالثناء وبالقصص والحكايات التي ظل الناس يبخلون على بعضهم بمعرفتها عن الراحل عندما كان حيّا .. بل وحرموه هو من التمتع بلذة النجاح الإنساني حين كان يمنحهم مقاصده.
القرب حجاب فعلا .. وما الشيخ رحمه الله الا صورة عن العشرات ممن فقدتهم هذه البلاد وتركوا الخلق يسهر جراء عظمتهم ويختصم .
من صفحة الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله