ساد الشعر الحواري في العصر الأموي، خاصة مع الشعراء العذريين والإباحيين، وقد شكل سمة بارزة لشعر عمر بن أبي ربيعة، فكانت محاوراته مع حبيباته، ومحاورة الحبيبة مع صديقاتها من أهم التيمات التي ميزت بنية قصيدة الغزل عنده.
ومن خلال ذلك الحوار يقدم عمر نفسه شاعرا نرجسيا، وفتى شغل الدنيا بوسامته وشبابه وطيب محتده:
وَقالَت وَعَضَّت بِالبَنانِ فَضَحتَني == وَأَنتَ اِمرُؤٌ مَيسورُ أَمرِكَ أَعسَرُ
أَرَيتَكَ إِذ هُنّا عَلَيكَ أَلَم تَخَف == وُقيتَ وَحَولي مِن عَدُوِّكَ حُضَّرُ
فَوَ اللَهِ ما أَدري أَتَعجيلُ حاجَةٍ == سَرَت بِكَ أَم قَد نامَ مَن كُنتَ تَحذَرُ
فَقُلتُ لَها بَل قادَني الشَوقُ وَالهَوى == إِلَيكِ وَما عَينٌ مِنَ الناسِ تَنظُرُ
فَقالَت وَقَد لانَت وَأَفرَخَ رَوعُها == كَلاكَ بِحِفظٍ رَبُّكَ المُتَكَبِّرُ
فَأَنتَ أَبا الخَطّابِ غَيرُ مُدافَعٍ == عَلَيَّ أَميرٌ ما مَكُثتُ مُؤَمَّرُ
فَبِتُّ قَريرَ العَينِ أُعطيتُ حاجَتي == أُقَبِّلُ فاها في الخَلاءِ فَأُكثِرُ
أما في موريتانيا فقد شكل غرض الغزل مناسبة لبناء القصيدة الحوارية، وكان الشعراء يحاورون الحبيبة والعذال على السواء.
ومن أبرز هذه النصوص الحوارية، تلك القطعة الغزلية للشاعر عبد السلام بن عبد الجليل العلوي المتوفى في عام 1348 هـ:
فلما تحادثنا تبينتُ أنها == فتاة عن الفتيان غير بتولِ
فقلت لها : بالله هل لك هاهنا == خليل، فقالت : لا تكن بسؤول
فقلت لها : قولي، فقالت: حليلٌ == يعشِّي طويلاً إبله لأبول
فقلت لها : عاداته وطباعه == أبشر كريٌم أم جفاء جهول؟
فقالت : جهولٌ ذو جفاء وغلظة == ولكنه غرُّ كثيرُ ذهول
فلما مضى ذُهْلٌ من الليل أقبلتْ == أهازيج سقبان و هزم فحول
فقلتُ لها : هل حان من سرْحِ إبْلكم == قفولٌ؟ فقالت : لات حين قفول
ألم تكُ تدري أن راعيَ إبْلنا == إذا عجّل الرعيان غير عجول؟
وتطور النص الحواري في الشعر الشنقيطي إلى أن أضحى لازمة في بناء القصيدة المدحية أو الهجائية، أو تلك التي تتحدث عن تقلب الزمان والحياة.
وكلنا نتذكر قصيدة (البادة) لأبي بكر الفاضلي (بك) :
وعاذلة هبت عليّ بلا مهلْ == تعيرني بالفقر والعجز والكسلْ
وتظهر إشفاقا عليّ بزعمها == وتوسعني نصحا بضرب من العذل
تقول : (يمين الله ما لك حيلة) == ولم أَرَ تدبيرا لديك ولا عملْ
أترضى بأن تبقى على الناس هينا == كمثل ضمير الفعل ليس له محل
فقلت لها : أمري إليك لتنظري == برأيكِ ماذا تأمرين فيُمتَثَل
إلى آخر القصيدة الرائعة (كان يحسن بطلاب المحاظر حفظها) ...
أما عبد الحي بن التاب (ت 1332 – 1405 هـ)، فقد اعتمد البنية الحوارية في مقدمة قصيدة مدحية، يقول منها :
وعاذلة هبت تقول : أما تهوى == سوى المدح لا ميا تريد ولا أروى؟
فقلت لها : كفي ملامك واقصري == فلي غزل جم، فقالت : أما يروى؟
فقلت لها : يروى، فقالت : فذا الذي == روى غزلا من شعرك اليوم من هوا؟
فقلت لها : إن التعلم تركه == ولو غزل الأشعار عمت به البلوى
ولكن دعيني اليوم أذكر فتية == ولست أقول المدح بعد ولا الهجوا
فقالت : فقل واصدق، فقلت لها : اسمعي == ولن تسمعي فيه السناد ولا الإقوا