كتب معالي الوزير Mohamed Djibril ردا على رد هذه الفضاءات على نقاط في مداخلته ببرنامج #شباب_توك الذي يبث على قناة دوتشيفيليه الألمانية، أو بالأحرى على نقطة تقليله من قيمة التخصصات الأدبية وحضه الشباب على التوجه إلى تخصصات مهنية أكثر.. والحق أنني كنت لأتجاوز ذلك وأعتبره جزءا من النقاش السياسي العادي الذي نشهده كل يوم.. لكن لا، هذا مصير نشترك فيه جميعا، يتعلق بنا جميعا، وأبان عن خلل حقيقي يبدو أننا لم ننتبه له فعليا إلا الليلة البارحة.
أولا قال معاليه إن مشاركته أتت في سياق " تبني الحكومة نهج الحوار والانفتاح كمقاربة لمعالجة القضايا الوطنية بشكل عام والقضايا الشبابية بشكل خاص" ويكفي من الرد على هذه النقطة أن الوزارة المعنية بالشباب التي يتقلد حقيبتها معالي الوزير لا تملك حسابا على أي من الشبكات الاجتماعية وموقعها الالكتروني يستقبل الرسائل ولا مجيب، فالوزارة حتى الساعة لا نعلم من منصاتها المنفتحة على الشباب غير صفحة الوزير الشخصية فقط. هذا عن الوزراة، أما بقية الحكومة "المنفتحة" فهي منفتحة على إنذار المدونين من الموظفين وفصلهم، لكنها لا يمكن أن تحلم بفتح صفحة على الشبكات الاجتماعية، ببساطة لأن الرئيس قال ذات غضب: ابدي ما عندي فيس بوك ولا تويتر.
أما النقطة الأساس وبيت القصيد في رد صاحب المعالي فهي الحديث عن التخصصات الأدبية وسوق العمل المبني على العرض والطلب ولتسمحوا لي - معاليكم - أن أذكر فيها ما أعلمه..
عندما عدتم إلى موريتانيا مع مئات الشباب الذين حملوا شهاداتهم وأحلامهم ورغبتهم في تقديم شيء للأرض التي يحملون بين الجنبين، درتم كثيرا وجلستم طويلا – معالي الوزير – دون أن تجدوا عملا، ولا عيب في ذلك، هذا حال مررنا به جميعا، لكن معاليكم لم تفتحوا حينها قهوة ولم تغامروا في البحر ولم تنخرطوا في أي من الأسواق التي ذكرتم ذات الخير الوفير، الأدهى أنكم وأنتم خريج بشهادة عليا في تخصص علمي تحتاجه البلاد لم تجدوا وظيفة في الدولة، فهل يعني هذا أن التخصصات القيمة مثل تخصصكم هي الأخرى لا تتناسب مع قاعدة العرض والطلب؟
معالي الوزير، أعرف شخصيا العشرات من الشباب الذين تعرفونهم أنتم شخصيا، ساكنوكم وساكنتموهم أيام الدراسة وما تلاها، وجميعهم مستعدون بل وراغبون في العودة إلى بلادهم لخدمتها حبا فيها لا استجابة لخطاب غير موزون وغير ناضج يرغبون ويرهبون به.. أتعلم مانعهم معالي الوزير؟ سوق العمل! نعم سوق العمل التي إن دخلوها فرادى طحنت الضرائب تجارتهم ومشاريعهم، وإن دخلوها محابين سرقت الدولة عن طريقهم، وإن دخلوها لا وساطة لهم ولا معارف فلن يجدوا زبونا واحدا.
صاحب المعالي؛ تحتاج موريتانيا آلاف الدكاترة، ولا تكتتب الدولة إلا عددا محدودا براتب زهيد جدا، لا يليق بمن يؤتمن على أرواح الناس، وتحتاج موريتانيا آلاف الدكاترة الأساتذة الجامعيين والثانويين، أولئك ألجأتهم الحاجة إلى أن يعرضوا أنفسهم سلعا على المدارس الحرة والجامعات الخاصة بعد الفتح العظيم بأن تكون علاوة الطبشور أقل من خمسين دولارا لمربي الأجيال!.
حتى التخصصات الأدبية التي دستم عليها – ولستم أول من فعل ذلك – تلك التخصصات لا يجد صاحبها محلا إلا بواسطة.. شقيقتي التي تصغرني تخصصت في مجال الأرشفة والمكتبات، وهو تخصص تحتاجه الدولة شديد الحاجة، لأن الأرشيف الوطني قضى على نصفه تسرب مائي قبل أعوام قليلة، ولأن وزارات بأكلمها تقوم على هذا التخصص مثل الوزارة الأمانة العامة للحكومة التي يتبع لها الأرشيف الوطني، ومثل وزارة الثقافة التي يتبع لها المتحف الوطني والمكتبات الوطنية.. شقيقتي ودفعتها بالكامل بلغوا درجة اليأس من أن يدخلوا إلى قطاع من قطاعات بلدهم كي يخدموه، وهم بالمناسبة خريجون على معايير حديثة، وليست أرشفتهم كلاسيكية على عهود الغابرين.
يملك الوالد مزرعة صغيرة، وامتلك أقارب لي وأصدقاء مزارع أتى عليها السماد المسمم إن كنت تذكر قصته، وخسروا الجهد والمال.. وصمتوا على عادة أمتنا المسكينة.
لست أقول بأنه ما من عائق اجتماعي وما من عقليات معيقة، بلى هي موجودة، لكنها لم تعد الجدار الأكبر في وجه الشباب.. تقبل معالي الوزير غضب الشباب المحروم، ولا تضعه في سياق السياسة، المعارضة والموالاة كلاهما في شر نومة، ولم يعد الطرفان قادرين على تسيير وتنفيس غضب الشباب، والحري بشاب مثل هؤلاء أن يكون أكثر مرونة في خطابه معهم وأكثر تفهما من جيل "الشيوخ" الذي يرفض أن يترك هذا البلد لمستقبله.. واستخدامي لـ"الشيوخ" هنا بريء معالي الوزير.
لن ترغب أن أعرج على نقاط مثل حديثك عن الجيولوجيا والطفرة في المعادن، ومعاليك تتذكر بالأمس القريب ما حل بالمهندسين طلبة المدرسة الوطنية للمعادن في آخر عام لهم قبل التخرج.. ثم لن ترغب أن أحيلك إلى طرق الاكتتاب في الشركات الأجنبية التي تستخرج باطن الأرض وتمسح ظاهرها، والتي لا تنال موريتانيا من ريعها أكثر من 4%!.
بالنسبة لصناديق الاقتراض، أنا شخصيا حاولت التقدم بمشروع صغير يكفيني حاجتي وحاجة أهلي، ووالله لو تيسر ما غادرت تلك الأرض المغبرة.. أتعلم ما هو أول شرط معالي الوزير؟ يجب أن أملك قطعة أرض قيمتها تتجاوز المليون أوقية كرهن، من أين لي بها؟ لو كانت لدي لبعتها وبدأت مشروعي الذي كانت دراسته تكلف أقل من مليون، وهو بالمناسبة في مجال تخصصكم معالي الوزير! انس مثالي، فالحمد لله على نعمه التي أكرمني بها، ولست في حال احتياج، لكن من لابن الحي العشوائي؟ من لمن لا يملك قوت يومه؟
هي مشكلة شاملة، مشكلة تبدأ من أن الشاب إذا ارتقى إلى وظيفة نسي الشباب، وإن بقي مكانه تنازعته عقد المجتمع وقلة الحيلة..
أحترم شخصك، شخص الدكتور محمد جبريل رفيع الخلق طيب القلب الذي أعرفه، لكن ذلك لن يسكتني عن معالي وزير الشباب والرياضة إذا غالط. وقولي هذا أحمل فيه الخطابين العلمي والأدبي، فالباكالوريا التي أحملها علمية والليسانس أدبية.
محمد ولد بدين