إيه أيتها الكُدى الوردية الحلزونية المزينة عشبا ومرعىً! .. إيه أيتها الأرض المشتاقة إلى كل قادم تحية لهذه الكدى "الگلاّبة" (بلغة هذه الأرض) التي تتراءى بين تلك الغيوم وفي صورة يعجز المرء عن تصويرها ويتركها للشاعر المشتاق إلى الأهل والديار سيدي محمد ولد الكصري :
عادو ابـــانولو رُوص افــَّـام (***) اكدَ تگــانت متَّــــحـــدين
يـَـنْـبَاو ءُ يغــباو افـلـغـمام (***) ءُ هوم زاد الْ مشيوفيـــن.
تكانت الأرض التي أبت واحاتها الفيحاء إلا أن تنجب لنا فحول الشعراء أمثال ولد الكصري وولد آدبه، تكانت تلكم الواحات التي تذكرها شاعرها في أسلوب يمازج بين التوحيد وبين البكاء على شجرة عبثت بها السنون فكانت الابن البار المخلص تذرف دموعه على تلك "البناية":
نعرف بُنايَ كانتْ هــــــــونْ= دهر ابعيدْ ؤمنْ هــون ؤدونْ
ألا عادت باط اجدرْ بــــــونْ= ؤعگــبت عادت تنبصكـــايَ
وافرَغْ هاذ كاملْ يكــــــــونَ= اربيبْ ؤنبتـــــــــتْ صدرايَ
ماهٍ بناي بـــــــــــــــــاط الله= يگـع بالدني خــــــــــــــــلايَ
مَعْوَدْ لامتهَ والتنــــــــــــزاه= اعگـوبتهــــــــــــم رد اروايَ
تكانت سرنا مع كداها الحلزونية استدبرنا المجرية بديارها العتيقة ونخلاتها الباسقة صعدنا "أشتْفْ" الشاهقة الشاهدة على قوم مروا ذات يوم وخلّدوا ذكرياتهم عن الأرض شعرا ونثرا فكانت تلك المرتفعات الشاهدة على رحلة ولد الكصري المشهورة نتتبع خطى ذلك اشاعر الذي استهوى تلك السهول الخضراء و قممها الشماء ونحن الذين لم نعش فيها وسمعنا عنها الكثير فليت شعري من يوصلنا إلى "وادْ لمريفگْ":
كالحمد ال يـــــــــــــواد = لمريفگ واكتن راد
الله اعليك ابعـــــــــــــاد = الدهر ال غَــــــلاك
ؤخسرت حالت لبــــلاد = ؤعدت انت لل جاك
ماه انت ذاك ؤعــــــــاد = ذ ماه دهر اغـــلاك
عدت آن مـــــــــانِ زاد = سيـــــــدِ محمد ذاك.
إنها ارض تكانت التي عاش على أديمها الشيخ ولد آبه وغنى تحت نور بدرها وعلى تلالها حرك أنامله على "تيدنيته" العتيقة تنفس نسيمها على وقع "ردات لبتيت" وتفيأ ظلال نخيلها الباسق فاستطاع ـ في ذلك الجو المفعم بالهدوء ـ الفنان والشاعر أن يحولا حيوان البُوم المخيف ذو الوجه المدور القبيح استاطاعا أن يحولاه إلى صديق صدوق صادق العهد والود "كوجيل الِ ساكن لوديْ .. يوكي زاد الَ حسو حي.....".
الشيخ ولد آبه حين يردد تلك في تلك الرياض الخضر :
أشاريم اعرفتو فأيام ... مزالْ أشاريمْ أشاريمْ..
إذا ما ذكرت تكانت ذكرت أيقونة الفن الموريتاني ديمي منت آبه تناديك لحظة نسائم السحر التي تهب من وديان الرشيد و"أشاريم" :
مايبگ شوقْ ادرسْ ماكام (***) ءُ لايبگ فالعينين اخـْـزِينْ
ؤلايبگ منــــظوم افلكلام (***) مَ جاو اوزانُــو منظـــومين
ثم ودعنا تكانت .. ودعناها ونحن في اشتياق إلى العودة، ودعنا الأرض والطبيعة والأدب والفن .. ودعنا حضارة تكاد تنثر إن لم تجد أبناء بررة ينفضون الغبار عنها ..
وإلى لقاء آخر في تكانت..
مختار بابتاح