نوافذ (نواكشوط ) ــ تابعتُ ليلةَ البارحةَ حلقة من البرنامج المتميز على قناة شنقيط "ضيف و حوار" الذي يعده ويقدمه الصحفي المتألق عبد المجيد ولد إبراهيم، وكانت ضيفته السيدة الفاضلة/ فيفي منت أفيجي....تلك السيدة التي حضرت الكثير من تفاصيل عصر ذهبي ولَّى واندثر، عصر بساطة الحياة مع قوة العزيمة لجيل صَنَعَ الخصْبَ في صحراء موريتانيا، فجَرَتْ عيونُ النماء و ارتقت للسماء صروح الوطنية بعيدة عن التجاذب العرقي المقيت... فشدا أطفال المدارس في زيهم الموحد :
عَلَمُنا نرفعه...نَصُدُّ من يَضعهُ...-1-
فَتراهم كل صباح :
" يَجُرُّون الحقائب قادمينْ...
عَبْرَ الفجاج المُوحشهْ
كقطيع غزلان عطاشْ
لمحتْ غديرا قابعا بين الرمالْ...
كانت شفاهاً باسمهْ
رغم الجراح الغائرهْ
و صَرير ريح عَاتيهْ
ملأتْ عُيوناً حالمهْ
بغد ينادي أمسَهُ " -2-.
كانت الذكريات تنسابُ أنيقةً في كلام السيدة فيفي، و بدا في الأفق بريق المجد الموريتاني وضَّاءًا، بريقٌ رَفْرَفَ على سناهُ العلمُ الموريتاني شامخاً في جهات الدنيا الأربعة...
رغم بعد الزمان، لم تكن تلك الذكريات بالأبيض و الأسود، بل بتقنية ألوان " الديجيتال "..فكأننا نعيش الأحداث لحظة بلحظة، بل يُخَيَّلُ إلى المشاهد أنه أحد أبطال الأحداث التي ترويها السياسيةُ المخضرمة/ فيفي بنت أفيجي بكل أمانة ، و التي صورت لنا مَشاهدَ كانت نَسْياً مَنْسياً في التاريخ المعاصر للدولة الموريتانية، و رفعت مكانة المرأة الموريتانية التي تركت بصماتها في بناء موريتانيا الدولة و المجتمع، و أظهرت حماس شبان و شابات جيل الاستقلال في قهر المستحيل لنعيش نحن الأبناء رخاء عمل آباء و أمهات رحل الكثير منهم إلى رحمة الله "... فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " صدق الله العظيم-3-.
جميل من الزميل عبد المجيد تلك القدرة الفائقة على تحريض ذاكرة محاوريه ليقولوا ما نود معرفته من تفاصيل تاريخنا الهارب من بين أصابعنا،و جميل من السيدة فيفي هذا الاحترام الجم لذكريات من رحلوا، فكانت فارسة تتمتع بأخلاق الفرسان...
سيكون جميل منا صون أيقوناتنا الوطنية و تبجيلها بما يليق بعطائها السخي لوَطَن انبثق - بفضل الله و فضلهم - من بين رمال المستحيل.. شكرا يا فيفي و شكرا لؤلئك الذين تركوا لنا هذا المجد العظيم...رحم الله من رحل عنا و بارك في عمر من بقي بيننا.
الهوامش :
1- من أناشيد المرحلة الابتدائية في سبعينات القرن الماضي.
2- من قصيدة للكاتب /محمد محمود ولد محمد أحمد" بعنوان :عطش الصحراء، نُظمَتْ عام 1995.ديوان : الحنين إلى وطن ما".
3- من الآية 23 في سورة الأحزاب.