نوافذ (نواكشوط ) ــ يقولون إن ثنائية الفشل والنجاح لا يحكمها الحظ ولا القوة؛ بقدر ما تحكمها اللحظة المناسبة..!
مثل كل أقرانه ولداته نما الطفل وترعرع بين وهاد "شمامه" وقيعانها وجداولها وتلال "أنجيم" (بجيم مصرية) وشيحه وقيصومه.. من بين عمق "إكيدي" (بكاف معقودة) وعفوية "أمشتيل" تشكّلت سحنة فتى أرغمته الأيام على أن يُوجد –دائما- في لحظات مفصلية من تاريخ أمته..!
مع ولادته كانت أمته تحبو بكسل إلى التنظيم من جديد؛ بعد قرون من السيبة والاستعمار.. حين كان يمرح ببراءة –في بواكير طفولته- بأول فضاء لبذر طبقة موريتانية وسطى (إيلوهات) تلقّف الطفل بنهم مناشير وشعارات تلامذة "ماو" وحواريي "ماركس"؛ ليتشكل لديه وعي سياسي إنساني سيدرك –لاحقا- أنه أكبر من واقعه..!
مع بدايات وعيه كانت الحرب (حرب الصحراء) تبعث المشاعر الوطنية من رمادها؛ لتهمس في آذان كل المؤمنين بتباشير "الكتاب الأبيض" أن اصحوا من سباتكم؛ فالأوطان قدرها أن تكون حيزا جغرافيا محدودا.. في حلف سمج بين "الرفاق" و"النياشين" تمّ وأد النظام "الكولونيالي" ورفع "العسكر" الراية البيضاء بكل "شجاعة".. ليُسقط في يدي الفتى..!
بكى "الشاب" الحدث على نظام لم يتلكّأ يوما في وصفه بأنه بقية "إمبريالية".. رأى أن "الرفاق" خانوه؛ بل إنهم كانوا يبيعونه "الوهم".. جزم أن التاريخ ينبغي أن يراجع؛ أو لعله تجب مساءلته..!
من بين قلة من "الافرنكفونيين" استطاعت تجاوز عقدة العلاقة بالعربية؛ التي يكتبها ويتكلمها بمنتهى الأناقة؛ بل يقال إنه من النادرين الذين يجمعون بين فصاحة "العروبي" وحصافة "الافرنكفوني".. وجد نفسه في مستهل مشواره العملي وهو مسكون ومحاطٌ بوابل من المتناقضات؛ رجل قانون في دولة اللاقانون.. تقدمي يحن إلى "الكولونيالية".. يساريون يؤمون المصلين، وينظِّرون للقوميين..!
رحل الزمن يعدو.. وذكريات الشاب عن زمنه الاستثنائي لا تفتر ترافقه؛ قبل أن يحط به الزمن ذاته في فقرة أخرى ليست أقل استثنائية ولا مفصلية.. خارطةٌ تعبث بها المتناقضات؛ مثقفون يُسلمون أزمّتهم لأميين طيبين.. ومناضلون "مبدئيون" عنيدون يتبارون في "النفعية".. وإرثٌ تراكمي من "تقديس" مفهوم المعارضة.. و"تدنيس" فلسفة المولاة.. خارطة سياسية غارقة عائمة ألقى الرجل بنفسه –عَفْوًا- بين مدها وجزرها..!
صورٌ عديدةٌ ومواقف متباينةٌ تركها الرجل في أذهان متابعي الساحة السياسية؛ إذ يرى البعض فيه الكثير من صفات أول رئيس لموريتانيا؛ بدءا بخلفيته القانونية، مرورا بهدوئه ورزانته، وابتعاده عن اللوك في أعراض الناس؛ وليس انتهاء بمراتع حيه.. في الوقت الذي لا يرى آخرون في الأستاذ ولد بوحبيني غير ظاهرة أنتجتها الصدفة المحضة؛ مستدلين على ذلك بأن دوره كان لأي شخص غيره أن يلعبه؛ في إشارة إلى أنه ليس غير جزء ظاهر من صراع ولد بوعماتو وولد عبد العزيز..!
يُراهن البعض عليه لاعتبارات منها الموضوعي ومنها الذاتي؛ فالرجل قادم من رحاب العدالة والقانون؛ يحمل بين يديه سجلا حافلا برفع لواء العدل وسيادة القانون.. لا تاريخ له في التخندق السياسي.. لا يصنف الخريطة السياسية إلى قطبي "ملائكة وشياطين".. يتكلم عن "المؤسسات" وليس عن "الأفراد".. دخل المعترك السياسي و"القانون" و"الأخلاق" يهزمان العديد من أساطين السياسة.. زعماء كبار يُرغمهم الواقع على ترك الحلبة؛ مما يعني أن مقاعد في الصف "الأمامي" فارغة، ويقول قانون الطبيعة أنها يجب أن تُملأ.. لا يملك عداوات سياسية، والذي يظهر من خطابه –حتى اليوم- أنه يجيد صناعة الأصدقاء أكثر..!
يُعوِّل -على بعض بقايا "يسارية الزمن الجميل" لديه- العديد من أصحاب المظالم، والكثير من خلايا الشباب التحررية النائمة؛ الذين يحنون إلى دولة مدنية ديمقراطية تقيم وزنا للقانون والعدل والمساواة.. لم يتورَّط –عبر تاريخه- في التخندق في القوالب الضيقة السيئة؛ مثل القبيلة والجهة..!
لكن البعض –أيضا- يرى أن الرجل ليس سوى سحابة صيف عابرة؛ شكّلت مزنها غيومٌ خارج إرادة وطموح الرجل، وباستطاعتها أن تزيحها متى شاءت؛ فلا تاريخ سياسي يتوكّأ عليه.. وعلاقته ببعض رجال الأعمال؛ من ذوي التاريخ السياسي "المشبوه" تبدو مثيرة للشبهة.. يذهب هؤلاء أبعد من ذلك إلى أن الرجل ينطلق –بالأساس- من مقاربة "جهوية" أساسها أن "الوجدان الجنوبي" الذي ظل طيلة عمر الديمقراطية لدينا يتشبّث بخيار أحمد ولد داداه يحتاج لوارث شرعي يحتضنه في ظل غياب يبدو لا مناص منه لولد داداه الذي يُكرهه الدستور على الخروج من الخارطة، وأن هذا الوريث لن يكون غير أحمد سالم..!
مهما يكن –وإن اختلفت القراءات وتعددت- فإن ظاهر الأشياء يؤكد ويلح على أن الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني سيكون رقما صعبا في الخارطة السياسية القادمة؛ بعيدا عن المسوغات والمعطيات.. سواء أكان دخل وفق طموح وإرادة ذاتيين؛ أم كانت الظروف والمتغيرات دفعت به إلى أتون المشهد السياسي..!
أحمد ولد محمد الحافظ