نوافذ (نواكشوط ) ــ التقى العلامة الشاعر مولود ولد أحمد الجواد اليعقوبي وهو إذاك شيخ كبير بالعلامة الشاعر امحمد ولد الطلبة اليعقوبي، فقال مولود لامحمد: ما آخر ما قال أهل تيرس من الشعر؟
فأنشده قصيدته:
أقولُ لِراعي الذودِ بَينَ شُلَيشِلٍ :: ولَبَّةَ والعَينانِ تنهمِلانِ
أيا راعيَ الذودِ الهجائِنِ قِف مَعي :: سقاكَ حبِيٌّ ذو أجَشِّ يمانِي
ولا زِلتَ في عرجٍ تُنَتِّجُ بُكرَهُ :: وجِلَّتَهُ ذي ثروَةٍ عكنانِ
أُسائِلكَ عن حَيِّ الشقيقَةِ إنَّني :: وإيّاكَ يا راعي لمُسَّئلانِ
فجعل مولود يكرر كلمة مسئلان وكأنه يستثقلها..
فلما وصل ولد الطلبة إلى قوله:
فكَلَّفتُ هَمّي إثرَهُم ذا عُلالَةٍ :: تخَوَّفتهُ بالنصِّ والذملانِ
به ظلعانٌ مستبانٌ ومن يجدْ :: كوجدِيَّ لا يلوي على الظلعانِ
قال مولود من شدة استحسانه للبيت الأخير: نعم مسئلان والله مسئلان..
وفي حكاية تتماهى مع هذه، يروى أن امحمد ولد الطلبة مر على العلامة الولي محمذن فال ولد متالي التندغي فسأله عن آخر ماقاله أهل تيرس. فأنشده قصيدته:
بعد مابين من بذات الرماح :: ومقيم من اللوى بالنواحي
طال ليلي بساحة الكرب حتى :: كدت أقضي الحياة قبل الصباح
إن أبت ساهرا أقاتل هما :: قاتلا ما لبرحه من براح
لبما بت خاليّ البال خال :: بأناة من الملاح رداح
فبادر ابن متالي إلى كتابتها كلها بخطه، ولابن متالي مقولة مشهورة في ولد الطلبة وهي قوله له: "والله إنك لعربي أخره الله"..
وفي غضون حديث طابت أفانينه ورقت حواشيه، طلب ولد الطلبة "امنيجه" ليُعدّل المزاج، فبعث ابن متالي من يجلبها له، وحين جيئ بها رفض ولد الطلبة تناولها إلا من يد ولد متالي، فناوله إياها بيده.
ويروى أن أحد الطلاب سأل لمرابط ولد متالي عن امنيجه فقال له: عود كيف ولد الطلبة واكمي..
موجبه مقارنة مجلس عزيز بمجلس الرشيد وسيف الدولة..
لما أنشد المتنبي سيف الدولة:
وقفتَ، وما في الموت شك لواقفٍ :: كأنك في جفنِ الردى وهو نائم
تمر بكَ الأبطالُ كلمى هزيمةً :: ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم
أنكر عليه سيف الدولة تطبيق عجزي البيتين على صدريهما وقال له كان ينبغي أن تقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف :: ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة :: كأنك في جفن الردى وهو نائم
وأضاف سيف الدولة: وأنت في هذا مثل امرئ القيس في قوله:
كأني لم أركب جواداً للذة :: ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل :: لخيلى كري كرة بعد إجفال
ووجه الكلام أن يكون عجز الأول مع الثاني، وعجز الثاني مع الأول، ليستقيم الكلام، فيكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكر، ويكون سباء الخمر مع تبطن الكاعب.
فقال أبو الطيب: أدام الله عز مولانا، إن صح أن الذي استدرك هذا على امرئ القيس أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولانا يعرف أن الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك، لأن البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف جملته وتفصيله، لأنه أخرجه من الغزلية إلى الثوبية.
إنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء.
وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى ليجانسه، ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً، وعينه من أن تكون باكية، قلت "ووجهك وضاح وثغرك باسم" لأجمع بين الأضداد في المعنى.
فأعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين ديناراً من دنانير الصلات وفيها خمسمائة دينار.
فليكن السقساق المنتقد لـ جميلة كابن الطلبة والمتنبي
وليكن عزيز كالرشيد وسيف الدولة وعندها تكون للمجالس مفرداتها سواء بالانتشال أو الإنقاذ..
كامل الود