على الرغم من النص الدستوري الصريح على مكانة نواب الشعب في ممارسة السيادة الوطنية نيابة عنه، وتقدم تلك المكانة حتى على العودة للشعب نفسه، الذي هو مصدر كل سلطة، عن طريق الاستفتاء حيث "...السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الاستفتاء ..." (المادة2 / ف1) من دستور20 يوليو، فإن الظاهر أنه بخصوص تعديل الدستور لا يسير الأمر بذات الاتجاه بدليل:
1-أن حصول إرادة تغير الدستور من جانب البرلمانيين وتجسدها في مقترح غير كاف، إذ يتطلب اعتماده ما يتجاوز المسطرة العادية للتشريع الذي يعتبر التصديق محطته الأخيرة؛ إلى خطوة إضافية حيث يفتح التصديق باب الإقرار، إما بالاستفتاء وإما بالمؤتمر.
2-أن الاستفتاء هو الآلية الأصلية في إقرار المشاريع والمقترحات الدستورية حين يتم اعتبار "...مراجعة الدستور نهائية إذا نالت الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الاستفتاء " (المادة 100) والمؤتمر هو الاستثناء " لا يقدم مشروع المراجعة للاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في المؤتمر ..." (المادة 101/ف1).
وهو أيضا -خارج الحالة الموريتانية -خاص بالمبادرة الصادرة عن الرئيس؛ ففي فرنسا مثلا لا يقر بآلية المؤتمر إلا مشروع التعديل الدستوري دون المقترح به. بخلاف الحال في موريتانيا حيث لم يتم التمييز بينهما؛ فقد تم استخدام عبارة "مشروع " لوصف التعديل المقدم من البرلمانيين "...أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين..." (المادة 99/ف2) وعلى ذلك تتصور حالة غاية في العبثية كاعتماد المؤتمر البرلماني في إقرار تعديل كانت مبادرته من البرلمانيين؛ حيث سيكون حاز توقيع ثلث أعضاء إحدى الغرفتين حتى يقبل نقاشه ثم صادق عليه ثلثا كل من أعضاء كلا الغرفتين، ليعاد إليهم للمصادقة عليه في المؤتمر وبنسبة الثلاثة أخماس من الأصوات المعبر عنها! .
كذلك، ويتوسع في الحالات التي يتم فيها إعمال آلية المؤتمر في فرنسا فيعمد إليه، بالإضافة إلى إقرار مشاريع التعديلات الدستورية، بمناسبة الاستماع لإعلان رئاسي يخطب فيه رئيس الجمهورية أمام نواب الشعب (المادة 18/ف 2). وأيضا لتحديد الموقف من قبول طلب دولة الانضمام للاتحاد الأوروبي (المادة 88 / ف5)
غير أن أخطر دور لاجتماع البرلمان بغرفتيه هو ذلك الذي يكون له حين يلتئم لتقرير عزل رئيس الجمهورية، وإن كان عندها لا يسمى "المؤتمر" بل "المحكمة السامية "(المادة 68/ ق-د رقم 2007 -238 بتاريخ 23 فبراير 2007)
3-أن اعتماد المؤتمر كآلية استثنائية للمصادقة، يعكس إرادة رئيس الجمهورية أكثر منه إرادة أصلية للنواب، فهو يتقرر حين يتبنى النواب موقفا إيجابيا من المشروع المقدم من الرئيس أو" في الخصوصية الموريتانية" حين يصادف مقترحهم رغبة رئاسية (كشفت الممارسة عن وجود حالة تكون فيها جهة مبادرة التعديل غير ذات أهمية لتبني الجهة الأخرى كليا لمحتوى التعديل؛ إما للمشاركة في تحديد محتواه أو لمجرد التبعية"
4-أن المؤتمر ولأنه هو الخطوة الأضعف من الناحية التمثيلية خلال مسار التعديل؛ فهو لاحق على المصادقة على مشروع التعديل والتيتتطلب الحصول على الثلثين (2/ 3) من عدد أعضاء كل من الغرفتين (المادة 99 / ف2) أي نسبة (0,66). أما المؤتمر فإقرار المشروع فيه لا يحتاج إلا إلى ثلاثة أخماس (3/5) ومن مجرد الأصوات المعبر عنها (المادة 101) أي نسبة (0,60) والفرق واضح بين النسبتين، وأوضح بدرجة أكبر في عدد المصوتين حد الفرق بين الثلثين من الأعضاء " 98 نائبا وأكثر من 37 شيخا "وغياب حد أدنى "خاص ومحدد سلفا" لعدد أعضاء الغرفتين المشاركين في المؤتمر المنعقد لإقرار التعديل. أنه ولذلك السبب رغم النص عليه كإجراء استثنائي لا يكون إعماله إلا في حالات الاتفاق الكامل بين السلطتين؛ التنفيذية من خلال رئيس الجمهورية من جهة ومن الطرف الآخر الغرفتين التشريعيتين اللتين تتوزعان معها التمثيل الشعبي (حالة التعايش)؛ لأنه في حالة هيمنة رؤية واحدة على السلطتين، فإن المتصور التقصي عن درجة قبول مشروع التعديل الدستوري لدى جهات أخرى خارج السلطتين الممثلتين لرؤية منفردة، يعول على أن يكشف استفتاء الشعب وجودها من عدمه.
إن الدستور كعقد مجتمعي تأسيسي يحتاج إقراره أوسع قبول متاح بدرجة تفوق المطلوب للقوانين الناظمة لمجتمع الحياة اليومية للجماعة؛ إذ الدستور خلافا للشائع، ليس وثيقة إعلان انتصار الأغلبية -مهما كانت طبيعتها -، بل هو تطمين للهواجس أكثر منه قانون الأغلبية.
ذ . يعقوب ولد السيف / محامي وأستاذ القانون بجامعة نواكشوط