لم يعرف دستور 20 يوليو اعتماد آلية محددة فيما طاله من تعديلات. فقد فرضت الظروف في الحاتين اللتين تمتا آلية تمريرهما. حيث لم يترك غياب المؤسسة البرلمانية سنة 2006؛ غير الاستفتاء لإقرار التعديل الذي جاء به القانون الدستوري رقم 2014-014 . في حين فرض غياب لائحة انتخابية بفعل الغاء قاعدة البيانات القديمة بمناسبة اعتماد البيو مترية في إحصاء السكان؛ اللجوء للبرلمان لتمرير التعديل الذى تضمنه القانون الدستوري رقم 2012-015 . ولذلك تثار اليوم أسئلة حول الآلية الأمثل لتمرير ما يزمع من تعديل، ولعل مرد ذلك، بالإضافة إلى ما تقدم، ما يسمح به الباب المخصص للمراجعة الدستورية من تباين في القراءات وخاصة في ظل منطق الذاتية؛ حيث النقاش بين فرقاء. هذا بالإضافة إلى عدم مواكبة الدستور الموريتاني بهذا الخصوص لما عرفته دساتير أخرى حاولت ضبط حالات التعديل، حتى ولو لم تتجاوز الاعتراف بالخصوصية لمقترحات ومشاريع التعديل داخل مسطرة التعديلات التشريعية.
يترتب على إخضاع مشاريع ومقترحات القوانين الدستورية لذات المسطرة التشريعية العادية إشكالات عديدة تتعلق بالتوسع وبشكل تحكمي في إعمال مقتضيات منصرفة بالأساس إلى القانون بمعناه الاصطلاحي "التشريع " في مجال الدستور؛ رغم خصوصية المادة الدستورية، سواء من حيث جهة الإعداد والمصادقة أو مجال حاكميته وسلطانه.
وقد تنبهت بعض الدساتير لذلك القصور فبادرت إلى إضافة مقتضيات خاصة بمشاريع ومقترحات التعديلات الدستورية على نحو ما كانت خصت به أصلا في المسطرة العادية بعض القوانين "التشريعية " ومثال ذلك القوانين النظامية – القوانين النظامية المتعلقة بمجلس الشيوخ (المادة 67) من الدستور الموريتاني وتضيف إليها (المادة 42) من الدستور الفرنسي قانون المالية وقوانين تمويل الضمان الاجتماعي.
ورغم صعوبة فهم استثناء المشاريع والمقترحات الدستورية من افراد مسطرة خاصة بها أو حتى تضمين المسطرة العادية ما يراعى خصوصيتها على صعيد العديد من الدساتير النافذة، فإن الحالة الموريتانية تمثل مثالا لتكريس تلك المفارقة.
والواقع أن المفارقة الأبرز على مستوى الدستور الموريتاني، أنه في الوقت الذى لم يبوب على حالة واحدة يقوم فيها البرلمان بمنع تمرير مشروع قانون من الوصول إلى مآله النهائي بالتصويت على المصادقة عليه ، فإنه في حالة مشروع قانون تعديل الدستور يكون له ذلك؛ حيث "لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ "(المادة 99 ف2) وذلك حتى قبل أن يصل إلى منتهاه ؛ ذلك أن المصادقة من البرلمان على مشروع التعديل الدستوري المبادر من الرئيس هي مجرد خطوة لوصوله للاستفتاء أو المؤتمر لإقراره .
خارج تلك الصلاحية الاستثنائية للبرلمانيين في إجهاض حق رئيس الجمهورية في مبادرة تعديل الدستور، يملك البرلمان إمكانية التعديل لمبادرة التعديل المقدمة من خلال مشروع قانون بذلك الخصوص؛ حيث يعطى الدستور الموريتاني " للحكومة وأعضاء البرلمان حق التعديل ..."المادة(62). وتحصر الحالات التي لا تقبل فيها مقترحات وتعديلات البرلمانيين في:
1-حين" يتمخض عنها نقص في الموارد أو إحداث نفقات عمومية أو تضخمها، إلا إذا كانت مصحوبة بمقترح يتضمن ما يعادلها من زيادة في الواردات أو المدخر".
2-إذا "تعلقت بموضوع من اختصاص السلطة التنظيمية عملا بالمادة (59)"
3-إذا كانت "تنافى تفويضا بمقتضى المادة (60)"
4-أوإذا لم تحل إلى اللجنة التي قدم إليها مشروع أو مقترح القانون واعترضت عليها الحكومة بعد افتتاح المداولات (المادة 65) وهي الشروط المتخلفة في حالة مشاريع التعديل الدستوري المقدم من رئيس الجمهورية. واعتمادها مع عدم ملاحظة الفارق -وإن لم يكن خاصا بموريتانيا -حيث يفهم توسيع باب التعديل أمام البرلمانيين لأن المجال حالة مشاريع القوانين هو مجال القانون -بالمعنى الاصطلاحي -المحدد دستوريا للبرلمان (المادة 57)، على خلاف مجال التعديلات الدستورية الخارجة عن ذلك النطاق تماما.
ويظهر تدعم تلك الهيمنة -غير المبررة -من خلال إجراءات ومراحل المصادقة على المشاريع والمقترحات وطبيعتها؛ فالذي يعتمد في المداولات هو النص المقدم من طرف الحكومة أمام أول غرفة أحيل إليها، لكن اعتماد الغرفة الثانية في مداولاتها يكون على النص المحال إليها من الأولى (المادة 63). أو حين تقديم مشاريع واقتراحات القوانين إلى إحدى اللجان " الخمس " الدائمة في كلتا الغرفتين أو إلى لجان تعين خصيصا لذلك بطلب من الحكومة أو الغرفة التي تمت الإحالة إليها (المادة 64). على خلاف ما جاءت به التعديلات الدستورية في فرنسا حيث نص في (المادة 42ف2 – القانون الدستوري رقم 2008 – 724 بتاريخ 23 يوليو 2008) "أن مناقشة مشروع قانون دستوري تنصب على النص الأصلي للمشروع، أو في حالة "المكوكية" على النص المقدم من الغرفة الأخرى وليس من اللجنة "
ولا يخرج مشروع التعديل المقدم للبرلمان عن إحدى حالتين، المشترك بينهما التمكين للبرلمان من طبع توجهه على ذلك المشروع؛ سواء حصل الاتفاق بين الغرفتين، حيث يسمح ذلك فعليا بأن يأتي مشروع التعديل انعكاسا للرؤية البرلمانية. وفي حالة غياب نص متطابق وإعلان الحكومة الاستعجال "لا يمكن في فرنسا أن يعمد إلى هذه الحالة حين يلزم احترام الستة (6) أسابيع بين إيداع المشروع أو المقترح ومناقشته في الجلسة العلنية، وأيضا أجل أربعة (4) أسابيع بين أرسال النص من الغرفة الأولى التي أحيل إليها أولا إلى الغرفة الثانية (نفس المادة 42 ف3) "؛ حيث إما إحالة المشروع إلى لجنة مشتركة تكلف باقتراح نص متعلق بالأحكام موضوع المداومة. أو إحالة النص بذات الطريقة إلى الغرفتين للمصادقة عليه ودون أن يكون لهما التعديل هذه المرة.
وحتى في الحالة القصوى لغياب الاتفاق على اقتراح نص مشترك أو عدم مصادقة الغرفتين عليه؛ فإن ملجأ الحكومة من البرلمان إليه؛ حيث يكون لها أن تمنح الجمعية الوطنية الترجيح بأن تطلب منها البت نهائيا في الأمر (المادة 66) " يطرح اعمال هذه الصلاحية في حالة مشروع قانون دستوري إشكالات عديدة لتعارضها مع شرط الثلثين ومن كلا الغرفتين "
لذلك تبدو الحاجة ماسة إلى تعديل المادة الدستورية الناظمة لمراجعة الدستور لما بها مما يقبل التأويل. وللاستفادة من التعديلات التي بوشرت على نظيراتها في دساتير وثيقة الصلة بدستورنا. فلا يعقل أن يعطي الدستور للقوانين النظامية شروطا خاصة، في التصويت عليها وفى تعديلها؛ كاشتراط انقضاء خمسة عشر (15) يوما من ايداعها لدى الغرفة التي أحيلت إليها. وكاشتراط في حالة غياب الاتفاق بشأنها بين الغرفتين، ومنح الجمعية الوطنية البت النهائي أن لا يكون ذلك إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائها. ولا يراعى ذلك مع القانون الأساسي "التنظيمي"؛ ليس لسير هيأة محدودة ، بل لتحديد السلطات داخل الدولة وحدود العلاقات فيما بينها .كذلك ويكمن في الصدد الاستلهام من الإقرار بأن لا تصدر القوانين النظامية إلا بعد أن يعلن المجلس الدستوري عن دستوريتها (المادة 67) في إعطاء دور للمجلس الدستور في مراقبة ما يبادر من تعديلات دستورية.
من صفحة الدكتور يعقوب ولد السيف