تشهد الساحة الإعلامية، والسياسية في موريتانيا هذه الأيام جدلا محتدما حول تغيير العلم الوطني، ويأخذ الجدل أبعادا جهوية، وقبلية في كثير من الأحيان، ولعله من المفيد أن نستحضر النقاط التالية قبل أن نأخذ موقفا من هذا الجدل إيجابا، أو سلبا.
أولا: التأييد الأعمى !
كثير من المدافعين عن العلم، والنشيد الوطنيين الحاليين لا يدركون الأبعاد، والدلالات التي يرمز لها هذا العلم، بألوانه، وشكله، وحتى من يحاولون ربط اللون الأخضر، والأصفر بمعان محددة فإن ذلك ليس محل إجماع، ذلك لأن كلا يفسر الألوان حسب هواه، ثم إن الشعب الموريتاني المسلم لا يقدس لونا بعينه، ولا يتشاءم من أي لون.
ثانيا: تعديل، لا تبديل..
إن من يدافعون باستماتة عن العلم الوطني الحالي يتناسون حقيقة أن العلم القديم باق بنجمته، وهلاله، ولونيه: الأخضر، والأصفر، وما سيطرأ عليه هو خطين أحمرين يرمزان لدماء شهداء الوطن الذين دفعوا أرواحهم فداء لوطنهم، ولا يرمز هذا اللون الأحمر لرئيس، ولا حزب، ولا جهة، ولا طائفة، فرفض هذا التعديل لمجرد أننا تعودنا علما معينا ليس مقنعا بالمرة، ولا يعبر عن تعلق بالوطن.
ثالثا: الجهوية المقيتة..
كثير ممن كانوا يدافعون عن العلم الحالي باتوا يؤيدون تعديله، بعد أن اكتشفوا أن المدافعين عنه معظمهم من جهة معينة، دافعهم هو الحرص على أن يبقى النشيد، والعلم الوطنيين ملكا حصريا لهم، هذا النشيد من كلمات ابنهم، وهذا العلم من اختراع ابنهم كذلك، وكأن أبناء موريتانيا الآخرين لا يحق لهم المساهمة في صياغة الرموز الوطنية، وهذه النظرة الإقصائية دفعت بالبعض إلى محاولة اتهام من يؤيدون تحسين العلم الوطني بأنهم يحاولون الإساءة لجهة بعينها، لأنهم يدافعون عن العلم من المنطلق ذاته.
رابعا: الشعب سيد قراره
تعتبر الرموز الوطنية (العلم، والنشيد) ملكا للشعب- كل الشعب- يحق له مراجعتها، وتعديلها متى شاء، عبر استفتاء حر يعبر عن الإرادة الشعبية، ومن يدافعون عن العلم، والنشيد الحاليين يتناسون حقيقة أن الرئيس الحالي، والحكومة الحالية لا يريدون تغيير العلم، والنشيد بمرسوم رئاسي، أو بقرار حكومي، بل يطرحون الأمر للشعب ليقول كلمته، والرئيس، والحكومة ملتزمان بالأخذ بما سيقره الشعب عبر الاستفتاء، وفي المقابل لا يحق لأي شخص، أو جهة مصادرة رأي الشعب، وتسفيهه، والتشكيك في وطنيته.
خامسا: تعديل النشيد، والعلم ليس نهاية الدنيا..
يعتبر تغيير النشيد، والعلم، والعملة أمرا عاديا، وشائعا في جميع دول العالم، فمعظم البلدان غيرت أعلامها، وأناشيدها الوطنية أكثر من مرة، بناء على ثورات، أو أحداث مرت بها تلك الدول، وبعضها يغير العلم بقرار من الرئيس، أو الملك، وليس باستفتاء شعبي، ومن الدول التي غيرت علمها الوطني العراق، وليبيا، ومصر، وأفغانستان.. والعديد من الدول الأخرى، ولم تحدث ضجة.
سادسا: تعديل العلم، والنشيد مطلب قديم..
لقد ظهرت دعوات عديدة لإعادة النظر في النشيد، والعلم الوطنيين في موريتانيا، وجاءت هذه الدعوات حتى قبل وصول النظام الحالي للسلطة، فكثير من الموريتانيين يرون أن النشيد الحالي يصلح لأن يكون خطبة جمعة، ولا يصلح ليكون نشيدا وطنيا، فهو مجموعة من المواعظ، والابتهالات الدينية، وليس فيه أي كلمة واحدة تحث على الوطنية، والتضحية من أجل الوطن، والارتباط به، ولعل هذا السبب وحده كاف لتعديل النشيد الوطني.
إن أبسط ما في تعديل النشيد الوطني الحالي هو كسر الهاجس النفسي لدى البعض ممن يعتبرون موريتانيا ملكا حصريا لهم دون بقية الشعب، فالجميع يدرك أن العلم، والنشيد الحاليين جاءا في ظروف استثنائية تزامنا مع الاستقلال، واليوم بات البلد في وضعية اقتصادية، وسيادية، وثقافية تسمح له بإنتاج علم، ونشيد وطنيين يستجيبان فعلا لتطلعات الشعب، ويعبران عن هويته، وماضيه، وحاضره، ومستقبله.
سعدبوه ولد الشيخ محمد.