تمر موريتاينا الآن بمرحلة لها ما بعدها.. ربما لا يدرك كثيرون خطورتها ودقّتها.. فالبلاد عند مفترق طريق، فإما أن يهب أبناءها لانتشالها من مكائد الجنرال و مؤامراته، و إلا تردّت في مهاوي الديكتاتورية و الاستبداد، و تقهقرت قروناً ضوئية للوراء.
إن الجنرال محمد ولد عبد العزيز هو أحد الأنذال الذين يتسللون إلى قلب التاريخ بمساوئهم التي تقلب محاسن الآخرين، كما يُقلب ظهر المجن.. فالتحسينات التي أضافها اعل ولد محمد فال و مجلسه العسكري للعدالة و التنمية على ديمقراطيتنا و ما أضاف إليها نظام المحترم سيدي ولد الشيخ عبد الله استطاع “الحاجب” الذي استدار في غفلة من الأيام استدارته الماكرة أن يلغيه حالاً بانقلابه العسكري، و مستقبلاً بتعديله للدستور.
و الكارثة أن الرجل لا تهمه امتحانات التاريخ و اختباراته، فهو يدرك أنه “راسب” على كل حال.. و لكن “إذا قتلتم فأحسنوا القِتلَة”.!
الإيمان بالديمقراطية لا يتجزأ، فلا يمكن للمرء أن يكون انقلابياً، و أن يصادر الحريات، و يسجن النشطاء الحقوقيين و المناضلين الشباب، و يزج بالصحفيين في زنازينه المعتمة، ثم يريد منا أن نأتمنه على دستور ديمقراطي، حيث تحاول جوقة ببغاواته إقناعنا بأن “قائدهم الملهم” إنما يسعى لإحداث تحسينات على الديمقراطية.
مخطيء من ظن يوماً أن للثعلب دينا
مسيكنةُ هذه الديمقراطية التي لم تخرج من قمقم مردة السياسة الذين يحبسونها فيه، و رغم ذلك تُهان في اليوم مليون مرة: فقد أصبح ولد احمدوا فقيها دستورياً، و ولد داهي مفكرا سياسيا، و صقر الفساد بيجل ولد هميد مناضلا ثوريا، و الزعيم مسعود ولد بلخير حامي ذمارها، و حارس ديارها .
مسكينةُ هذه الديمقراطية التي لا تجد لها ظهيرا و لا عضداً غير الخليل ولد الطيب و سيدي محمد ولد محم و يحي ولد حدمين.
إن الجنرال عزيز هو شخص مناور.. علمه تكوينه العسكري رغم ردائته أن لا يدخل سجالاً إلا بعقلية الكر و الفكر، و الإقدام و الإجحام، و النصر و الهزيمة، و أن يكون الالتفاف و الانتزاع و المصادرة طريقته المفضلة في تطويق الآراء المخالفة.
المرحلة بالغة الدقة.. و تتطلب أساليب جديدة في مقاومة الاستهداف الجديد لحلمنا الديمقراطي المؤجل.. إنه خسوف للقمر الوردي الذي يتراءى من خلف التلال.. إجهاض لنطفة الأمل التي تتمخض في رحم الأيام. و لهذا يستحق علينا وطننا السليب، و مستقبل صغارنا البرءاء، أن نناضل من أجل غدهم. و يستوي في هذا الواجب الجيش الموريتاني الذي يتحمل مسؤولية الدفاع عن دستور البلاد، و المعارضة الديمقراطية، و حتى الموالاة، التي لن تتضرر وحدها من ثقب السفينة.
حين تثقب السفينة، و هي تتهادى على أمواج بحر هادر، فسيتسرب الماء فيغرق من عليها، و أولهم الثاقب “ذو العقل الثاقب”.