قال الأستاذ الجامعي والمحامي الدكتور يعقوب ولد السيف إن تعديل إعلان اكتتاب 100 عنصر من الإداريين يبدو حتميا ولن يكون فيه غضاضة لأنه سبق أن تم تعديل إعلانات للاكتتاب قبل هذه المرة، واللجنة الوطنية للمسابقات متفهمة ووطنية وأعطتها تجربتها مرونة وسعة باع ــ بحسب تعبيره ــ
ووصف ولد السيف وهو واحد من أبرز أساتذة الجامعة بكلية القانون الإعلان المذكور بالمرتبك، وهو ارتباك طال كل فقراته.
وتحدث الدكتور يعقوب في تدوينة على صفحته على الفيس بوك عن أوجه الارتباك في الإعلان وهذا نص التدوينة :
إعلان تنظيم مسابقة خارجية وداخلية لاكتتاب مائة وعشرة عناصر (110) لم يشترط " خبرة ولا كشف راتب " في المتقدمين للمسابقة الخارجية ، لأنه ليس بدعا من الاكتتابات السابقة التي لا تجمع بين طلب الخبرة والتكوين لما في ذالك من اجهاز علي الهدف من وراء مثل تلك الاكتتابات والذي هو مد الإدارة بدماء جديدة وانفاذ الحق الدستوري في شغل الوظيفة العامة بالنسبة لفئات واسعة من المواطنين .
كذالك وينتظر من الاكتتابات الخارجية أن تمد الإدارة بعناصر يعوض نقص خبراتها حماس وقابلية للإصلاح ضروريان لأي تطور وإصلاح.
على ذالك يكمن وصف هذا الإعلان بالمرتبك، وهو ارتباك طال كل فقراته. ولكنه مع ذالك يظل قابلا للتعديل والتأجيل وكلما من شأنه أن يسهم في تحقيق الغايات المرجوة منه. وفي هذه السطور نقف على أوجه ذالك الارتباك
أولا – في الوقت الذي لم يطلب " الحصول على خبرة خمس سنوات ..." و لا " كشف الراتب الصادر عن الإدارة العامة للميزانية "في المتقدمين لمنصب " مفتش رئيسي للخزينة " وذالك - رغم التقارب المكاني والوظيفي بين الخزينة والإدارة العامة للميزانية –فإنه يطلب تلك الخبرة والكشف من المترشحين ل " كاتب إدارة عامة " مع أن المؤهل المطلوب في حالة هذا المنصب هو مجرد شهادة ختم الدروس الإعدادية . ويصعب فهم هذه المفارقة خصوصا إذا علمنا أن أغلب المباشرين للعمل لدي الخزينة العامة الموريتانية هم من فئة " الأشخاص العاملين غير الدائمين " فكيف يعفي هؤلاء من الحصول علي" الخبرة وكشف الراتب " رغم تصور سهولة استيفائهم لذينك المطلبين، في حين يسلط على المترشحين لمناصب "ملحق إدارة عامة " أو " إداري مدني " أحرا "كاتب إدارة عامة " وهي وظائف يندر اسنادها لغير الرسميين المرسمين قانونيا، بل فوق ذالك أمنيا، لأنها مصالح ذات رمزية خاصة.
إن هذه المفارقة لا يمكن تفسيرها إلا بأحد أمرين أولهما: يمكن وصفه بالتآمرى؛ إذ يرد غياب "طلب الخبرة وكشف الراتب " بالنسبة ل "مفتش رئيسي للخزينة " إلى الرغبة في إعطاء فرصة لمتسابقين من غير " الأشخاص العاملين غير الدائمين " المكدسين داخل مفاصل إدارة الخزينة ووزارة الاقتصاد و المالية؛
أما الرأي الثاني: وهو أكثر عقلانية فيري أن وضع " الحصول على الخبرة وكشف الراتب " مع وجود مسابقة داخلية لذات الوظيفة " مفتش رئيسي للخزينة " سيلغي أي فرق ظاهري بين المسابقتين. كما أنه قد يعري جورا واضحا ومتصورا إذا علمنا أن من بين " الأشخاص العاملين غير الدائمين " من يحوزون خبرات ومؤهلات تفوق تلك التي يحوزها بعض المتقدمين للمسابقة الداخلية.
ثانيا – نص الإعلان على أن " الاكتتاب يتم عن طريق التكوين في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء " دون أن يحدد طبيعة ذالك التكوين، وهي الطبيعة ذات الأهمية القصوى في تحديد معنى " الخبرة " محل الطلب – الشرط بقراءة – ذالك أن التكوين المتوج بتدريب وأكثر من ذالك بأداء "الخدمة الوطنية " يفترض أن يتوخى منه الحصول على:
ا – المعارف الضرورية لشغل الوظيفة عن طريق " الدراسة " ؛
ب – تحقيق الخبرة العملية من خلال "التدريب " ؛
ج – التأكد من الأهلية البدنية والمدنية بأداء " الخدمة الوطنية " .
على ذالك لا يمكن لاكتتاب يتم عن طريق تكوين كهذا أن يعول على خبرة قبلية، أحرا أن يشترطها، لأنه حين يكون ذالك التكوين هو الطريق للإكتاب فإن المستهدف هو قطعا ليس أهل الخبرة، والقول بغير ذالك يهدر قيمة الموارد والجهد والوقت المخصص للتكوين وبدرجة أكبر للتدريب والخدمة الوطنية. كما انه قول يغفل أن المفترض في "الخبرة" أنها تمثل أقصى المؤمل من التدريب؛ إذ هي التسمية المناسبة للتدريب، ليس أي تدريب؛ بل التدريب الناجح حصرا.
على ذالك يفترض أن ما سيتلقاه الناجحون في المسابقة الداخلية يدخل في مجال تحسين الخبرة التي يفترض فعلا أنهم راكموا منها الكثير خلال ما فات من مسارهم المهني.
ويرتبط بذالك أيضا فرق واضح في الغاية من ذالك التكوين؛ إذ بالنسبة للمشاركين في المسابقة الخارجية يتعلق الأمر بالحاجة إلى التكوين للتأهيل لممارسة الوظيفة على الوجه الأكمل، ولكن قبل ذالك للولوج إلى الوظيفة العمومية.
أما بالنسبة للمسابقة الداخلية فغاية المتسابقين هي تحقيق ارتقاء طرأت شروطه؛ إما بالحصول على مؤهل لا حق علي الاكتتاب. أو لتحقق أقدمية تبرره، وهو على ذالك يوفر طريقة استثنائية لتحقيق طفرة في المسار المهني هي الغاية منه، لأنهم في مجال التكوين يعولون على ما يوفره التكوين المستمر ودورات تحسين الخبرة ربما بما قد يفوق المنتظر من ما قد يقدمه التكوين المشروط للاكتتاب.
ثالثا – كذالك وبدا الإعلان مرتبكا حين حدد "الخبرة المطلوبة "من المشاركين في المسابقة الخارجية وذالك من زاويتين:
ا – أنه تحت هذه التسمية " الخبرة المطلوبة " حدد متطلبين:
- " خبرة خمس سنوات في الإدارة العمومية "
- "كشف الراتب الصادر عن الإدارة العامة للميزانية ". فإضافة إلى أنه يصعب فهم الأساس الذي بني عليه انضواء " كشف الراتب " تحت تسمية "الخبرة "؛ إذ الخبرة مصدرها إرادي وهي إذ ذاك تحتاج الأداء، في حين أن المرتب ولأنه يتعلق بما يثرى الذمة فهو مرتبط بأهلية الوجوب ليس إلا.
إضافة إلى ذالك فإن الممارسة العملية تكشف عدم التلازم بين الإثنين؛ فبعض من الذين يضطلعون بأعمال غاية في الأهمية في الإدارة العامة تصرف لهم " رواتب " ضمن لائحة يعدها الأمين العام أو غيره وليس عن طريق الإدارة العامة للميزانية. كما أن بعض الذين لديهم كشوف بمرتبات من الإدارة العامة للميزانية لم يقدموا أي عمل ومن ثم لم يحرزوا أي خبرة تؤهلهم الاشتراك في مسابقة كهذه اجحافا بغيرهم من من هم أحق بذالك.
ب – أنه عدل في الخانة المناظرة في المسابقة الداخلية إلى عبارة " الشروط المطلوبة " بما يبرر تصور فهم غير ذالك الذي تبادر من القراءة الأولية للإعلان.
إن عبارة " المطلوبة " الواردة بعد " الشروط " هي تحصيل حاصل؛ فالشرط الوارد هو شرط وجود ترتهن قابلية الترشح بوجوده.
أما عبارة " المطلوبة " الواردة بعد "الخبرة "فهي من باب الاستحسان دون الإلزام، وإلا لكانت استخدمت لفظة "الشروط " التي استخدمت مع المطلوبية، في حالة المسابقة الداخلية خاصة أن الأمر يتعلق في الواقع بأكثر من مجرد الخبرة؛ حيث يشمل –كما تقدم – كشف الراتب ، ولكانت عنونة الخانة بالشروط المطلوبة مكنت من تلافي عدم الدقة حين استخدام "الخبرة المطلوبة ".
ويمكن تدعيم الفهم السابق بما جاء في الخانة الثالثة والتي عنونت ب " الشهادات اللازمة في التخصصات المطلوبة " حيث استخدمت عبارة " اللازمة " وهي قطعية قطعية شروط الوجود، فاعلان الاكتتاب واضح في ما هو شرط ولازم. أما غير ذالك فلا يعدو كونه مطلوب إن وجد أخذ في عين الاعتبار، وإن لم يوجد لم يرتب ذالك أثرا.
رابعا: يقدم عنوان الخانة الثالثة الخاصة بالمسابقة الخارجية مثالا آخر علي حالة الارتباك التي طبعت الإعلان ؛ يظهر ذالك من صياغة العنوان ومن علاقته بمحتواه وبما جاء في ذالك المحتوي ، فصياغة العنوان " الشهادات اللازمة في التخصصات المطلوبة " جمعت جزئيتين هما :المؤهل والتخصص وبتركيب يوحي بان التخصصات قد حددت قبلا .وهوما يظهر خلافه حين النظر في العلاقة بين العنوان والمحتوي حيث جاءت المؤهلات قبل التخصصات ،وقبل أن تأتي شهادة لا علاقة لها بالتخصصات ويبدو ان اعلان الاكتتاب يخرجها من دائرة الشهادات ربما لتأكيد أهميتها حيث نص علي :" شهادة الماستر أو المتريز في القانون أو الاقتصاد والإدارة والعلوم الاجتماعية {بعد الباكالوريا}" فمن السياق يمكن القول إن الباكالوريا ليست مطلوبة لذاتها ولكنها مطلوبة لصحة الشهادتين الأخريين شريطة أن تكونا بعدها!.
أما من حيث المحتوي فاللافت هو استخدامه للفصل والعطف أو الترتيب بمزاجية خاصة؛ ففي حين فصل بين القانون والاقتصاد بحرف " أو" عطف أو رتب الاقتصاد والإدارة والعلوم الاجتماعية باستخدام "الواو " . لكن الأبرز من ذالك هو اغفاله لشهادات تستوفي شرط "بعد الباكالوريا " يتعلق الأمر ب " دبلوم الدراسات الجامعية المعمقة " بالنسبة للمتريز. ونفس الشيء بالنسبة لشهادة الليسانس في حالة الماستر.
خامسا: جانب آخر لارتباك الإعلان، يظهر من خلال ما جاء في ملف الترشح؛ ففي حين تضمن ملف المسابقة الداخلية ما يتسق مع الشروط المحددة للاكتتاب إذ حين نصت هذه الشروط علي: " أن يكون موظفا من فئة ا3 من السلم البيني أو إدارة أقدمية خمس سنوات في السلك ." {حرفيا كما جاء في الإعلان المنشور على موقع وزارة الوظيفة العمومية} تضمن الملف المطلوب " إفادة عمل صادرة عن الإدارة المستخدمة للمعني " وكان يمكن أن يكتفي بذالك علي أن تتضمن تلك الإفادة ما يفي بباقي المطلوب، ولكنه طلب كذالك أن يتضمن الملف " نسخة من آخر قرار يحدد الوضعية الإدارية " وبذالك يضمن من الملف المقدم بالنسبة للمسابقة الداخلية استيفاء الشروط المحددة سلفا لقبول الترشح . أكثر من ذالك جاء من ضمن العناصر المطلوبة في ملف الترشح لتلك المسابقة مالم يرد أصلا في تحديد تحقق أهلية الترشح؛ فقد طلب في الملف " نسخ مصدقة من الشهادات المطلوبة علما أن المسابقة الداخلية خلت أصلا من خانة عن " الشهادات اللازمة في التخصصات المطلوبة " .
علي العكس من ذالك نجد أن الملف المطلوب في المسابقة الخارجية جاء خاليا من أي اعتبار لما ورد في" خانة الخبرة المطلوبة " فليس من ضمن مكونات الملف المطلوب " إفادة ل "خبرة خمس سنوات " ولا ل" كشف الراتب " . ولا يختلف الأمر بعد تحقق القابلية للنجاح في الامتحان الكتابي؛ إذ لا تتضمن الأوراق التي يجب احضارها أمام اللجنة أي ذكر للخبرة ولا لكشف الراتب. وكل ذالك لم يسقط سهوا .
من هنا فإن تعديل هذا الإعلان يبدو حتميا، ولن يكون في ذالك غضاضة لأنه سبق أن تم تعديل إعلانات للاكتتاب قبل هذه المرة، واللجنة الوطنية للمسابقات متفهمة ووطنية وأعطتها تجربتها مرونة وسعة باع.