قضيتان كانت كل منهما كافية لإسقاط عصابة ولد عبد العزيز لو كانت في هذا البلد معارضة من أي نوع.. لو كانت في هذا البلد حركة طلابية على أي قدر من الوعي.. لو كانت في هذا البلد نقابات عمالية على أي مستوى من المسؤولية .. لو كانت في هذا البلد ثلاث جرائد حرة غير مخابرات ولد مكت.. لو كان في هذا البلد مجتمع مدني بأي مفهوم تقليدي أو معاصر.. لو كانت في هذا البلد كتيبة عسكرية واحدة غير منزوعة السلاح..
القضيتان بلا أسماء في قواميس التاريخ الإجرامي العالمي؛ فلا هي سرقة أموال عامة بالفواتير المنفوخة و المهام الوهمية و غيرها من الحيل و المبررات الإدارية التي يتم عن طريقها نهب المال العام في كل مكان فاسد. و لا هي عمليات سرقة مباشرة، تحدث في كل مكان، يلوذ أصحابها بالفرار بما نهبوا أو يقبض عليهم فيعاقبوا..
القضيتان لا أسماء لهما إلا في تاريخنا الشعبي؛ فأن تقوم بالسطو على ممتلكات لا تخصك و تقف أمام الناس بوجه من فولاذ: نعم أنا من فعلها فماذا تستطيعون أن تفعلوا ؟ هذا لا يعرف العالم له اسم و هو ما يسمى عندنا بــ”اتهنتيت” و هو ما حصل بالحرف في فضيحة شاحنة الأمن الغذائي التي حطت حمولتها في بيت “رئيس العصابة” و هو ما حصل بالضبط في فضيحة سونمكس التي تم سجن و تغريم الأبرياء فيها و إطلاق سراح “الهنتاته” الحقيقيين
هذه الفضائح المخجلة، ما كانت لتحدث في أي بلد من العالم مهما كان تخلفه و طغيان نظامه و جبن أبنائه من دون أن تقلب الحياة فيه رأسا على عقب.
إن سجن و تغريم أبناء موريتانيا و إطلاق سراح مجرم سونمكس (و لا أقول مديرها المالي لأنه لم يدر فيها غير الإجرام) و السماح له بالذهاب إلى الخارج، احتقار لهذا الشعب لا شك أنه يستحقه بجبنه و خضوعه و نذالة معارضرته و لعنة أعيانه و خنوثة نخبه.
من يعود إلى تفاصيل ما حدث في سونمكس لا بد أن يكتشف الحقائق التالية :
ـ أن منطق “الهنتاته” الوحيد هو هل هذا الأمر قابل للتنفيذ أم لا ، أما خجله و عقوبته و عاقبته فلا عبرة بأي منها.
ـ أن من ارتكبوا مثل هذه الأفعال قادرون على ارتكاب أي جريمة في الكون من دون أبسط تردد.
ـ أن احتراف السرقة و التلصص في حياة من ارتكبوا هذه الأفعال، ليس الحاجة و إنما هي الغريزة و التربية و الثقافة…
ـ أن المفتشية جهاز قهر يدار آليا من القصر ، يتحرك بأمر و يعلق كل شيء بأمر و يصب كل ما لديه في قالب معد سابقا تارة و لاحقا أخرى، بأمر .
ـ أن القضاء جهاز منتقى من أحقر ما أنجبته دولة الظلم، بلا موانع و لا أخلاق، معد على المقاس لحماية جرائم “نظام” العصابة.
ـ أن الحق الوحيد الذي يتمتع به المواطن الموريتاني اليوم هو حق البكاء.
ـ أن ولد عبد العزيز لا ينكر و لا يحاول حتى أن يخفي، أن مقربيه محميون بالقوة و القانون ما لم يختلفوا معه. (لا يوجد اليوم في السجن أي قريب لولد عبد العزيز رغم ما ارتكبوه من جرائم مالية و استعمال السلاح ضد الأبرياء و الاعتداءات الجسدية و اللفظية على الناس و احتقار الدولة و نهب ممتلكاتها ، دون أبسط وجه حق و اللائحة موجودة بالأسماء و أنواع الجرائم و أماكنها و تواريخها (…)
ـ أن “النظام” يسمح للمعارضة بأن تقول ما يبرر به أمام العالم أنه نظام ديمقراطي و يمنع عليها تجاوز حدود المسموح..
ـ أن “موريتانيا الأعماق” التي تتمايل الأنظمة الموريتانية الفاشلة على معزوفة “تيدنيتها” هي موريتانيا الجهل و التخلف التي لا تميز بين رئيس دولة و رئيس عصابة و لا بين مواطن و أجنبي ..
ـ أن الشعب الموريتاني وصل درجة من الانحطاط تساوى فيها القبيح و الجميل.. العالم و الجاهل.. العاقل و الغبي.. الكريم و النذل.. الصادق و الكاذب.. النزيه و اللص.. السوي و المنحرف.. الملتزم و العربيد.. الرشيد و السفيه.. و الحقير و الحقير…
لكن، من يمعن النظر بتعقل في المشهد الموريتاني اليوم لا بد أن يصل إلى الخيارات المتاحة أمام هذا البلد المختطف منذ ثمان سنين و المتمثلة حتما و قطعا في خيارين لا ثالث لهما:
1 ـ أن تنهار الدولة . و هذا في النهاية، أحد الخيارات (حتى لو لم يكن أفضلها) التي تخطط لها العصابة لتستطيع الهروب من دون أن يبقى في البلد نظام قائم يطالب بمتابعتها و استجلابها. و العصابة هنا لا تقال لولد عبد العزيز و ولد الغزواني و ولد حدمين و ولد الطيب و الناطق بأكاذيب الدولة ولد الشيخ و الدليل على حقارتها ولد أجاي و رأس “خيرة” مثقفيها ولد محم و غيرهم من أوباش الواجهة المزورة للعصابة؛ العصابة التي خربت البلد و نهبت ثرواته و دمرت إدارته و حطمت قيمه و أشعلت النيران في لحمته و استغلت هشاشة و نذالة هذه المجموعة المرتزقة لتعطي جريمتها وجها وطنيا ، لا أساس له، هم ولد عبد العزيز و أولاد غده و افيل و محسن و غيرهم من مقربي عزيز النافذين الذين وزع عليهم ولد حدمين تركة المرحوم ميناء نواكشوط و ترتعد فرائس ولد الغزواني حين يرى أيا منهم و يقلب ولد أجاي النظريات العلمية للتسيير إرضاء لأهوائهم و يتهلل وجه المتزلف ولد الطيب و يزداد مترا و نصف كولا حين يعانق أيا منهم و يتحول الحمل الكاذب ولد محم إلى حمل وديع حين يتلقى اتصالا هاتفيا من أصغرهم…
2 ـ أن تنهض من تحت ركام الجيش المذل و المهان أكثر من المدنيين (عكس ما يتصوره الجميع)، نخبة من الضباط المتألمين لما أصبح الجميع يراه بتقزز، من خراب و فوضى، لإنقاذ ما تبقى من موريتانيا الممزقة.. المذلة .. المنهوبة .. المحتقرة . إننا ندرك بأصغر التفاصيل، ما يعانيه أكثر من 80% من ضباط جيشنا المتخرجين من أفضل الكليات العسكرية بامتياز، من تهميش و نسيان من لوائح التقدم و إبعاد عن مراكز القيادة لصالح حفنة من المرتزقة الأنانية بلا انتماء و لا كبرياء و من النادر أن تجد من بينهم من يملك كفاءة في غير التزلف و الانحطاط ..
ـ إن نهاية ولد عبد العزيز و محيطه الأسري و مقربيه من المنافقين و من أصحاب الرتب غير المستحقة و ضباط مرتزقة بازيب ، ستكون حتما نهاية دراماتيكية لم يشهد التاريخ لها مثيل في أي بلد. و سيعرف الجميع أنهم أنذال، جبناء كما تؤكدها أخلاقهم و تصرفاتهم و ميلهم إلى اضطهاد الناس و احتقارها. لقد أصبحت الأمور الآن واضحة :
ـ “المنتدى” خونة ، جبناء، يتلاعبون بعقول الناس ، ليس فيهم من له قضية و لا من له موقف من أي شيء في الوجود ، يديرون لعبة مصالح (برجل في المعارضة و أخرى في الموالاة و لو كانت هناك جهة ثالثة لاختلقوا لها رجلا من خشب مثل مسعود)
ـ الشعب الموريتاني لم تعد تنطلي عليه ألاعيب الأنظمة الفاسدة و حيل المعارضات الخائنة : لقد بدأ يبحث عن ذاته و يطرح أسئلة المستقبل المحرجة : ليس في موريتانيا اليوم من لا يتساءل؛ ماذا نفعل للخروج من هذا الوضع المخزي؟ و لا يمكن أن يوصف الوضع بغير المخزي : فبلد يحكمه محسن و ولد الغزواني و ولد عبد العزيز و أمربيه ربو و إيريك والتير و احميد ولد أباه و ولد بشراي و عمر الصحراوي ، لا يمكن أن تكون طموحات البشر على رأس أولوياته (العالم يبحث عن الديمقراطية و الرفاه و نحن نبحث عن محو هذا العار)
ـ سيحفر الشعب الموريتاني مجرى تجربته بذاته و سينتصر على عجزه و ستفهم هذه العصابة الحقيرة أن هذا الكلام الذي تسخر منه اليوم سيصبح قريبا حقيقة ، يتلهون بترديديها في سجونهم المؤبدة .
ـ ما سمعته الناس من فضيحة سونمكس هو كان النسخة المحسنة ، المعالجة في مختبرات كيمياء الأباطيل و هي كانت آخر فرصة للمعارضة لتثبت حقيقتها و قد أثبتتها بكفاءة عالية كعادتها.
ـ ما حدث في سونمكس لا يمكن تصوره و لا نقل جزء بسيط منه و الأخطاء التي أدت إلى ظهوره هي معركة العصابة الوحيدة على كل الجبهات ؛ فما يحدث في البنك المركزي أبشع و أكثر انحطاطا و سوقية و ما يحدث في ميناء نواكشوط لا يمكن أن تتحمله أي غابة و ما يحدث في الحالة المدنية و ميناء نواذيبو و السوق الحرة و إدارة الجمارك و أم معارك و معاقل الفساد ( وزارة المالية) التي يتولى إدارتها أحد أحقر أنذال البشر و اسنيم و إينير و الجمارك و الضرائب و شركة المحروقات و شركة الاستصلاح الزراعي : لقد نهبت كل هذه المؤسسات و أحيطت بأسوار من التكتم و لم يبق أمام العصابة اليوم سوى أن تغلقها أو تتفلت فضائحها لأنه لم يبق بداخلها غير آثار الجرائم تماما مثل الشقية سونمكس التي تم تحويلها إلى ميدان تدريب لتطوير مهارات الأقارب في مجال النهب الممنهج .
ـ لقد تم نهب كرامة هذا الشعب من خلال ما حدث في سونمكس ؛ لأن مرور مثل هذه الفضيحة الصارخة بوقاحة تفاصيلها ، يعني أن كل مناعة الشعب تم طحنها و كل أسلحة تحدي العصابة نجحت في مهمتها.
و صحيح أن خيانة المعارضة و جبن الشعب هو ما أوصله إلى هذا الحد من الخنوع لكن الأصح أن بشاعة العصابة لم تترك له خيارا، غير أن يكون أو لا يكون.