حين امتشق اليراع وذرف الحبر الدفاق منافحا عن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلق لذلك معاذير شتى، وظف فيها حتى المنامات، كنت من بين القلائل الذين صدقوا "حسن نية" الكاتب المحامي/ محمد ولد امين ، ساعة كانت الساحة تغلي وتستنكر فعله المشين، الذي أقل ما فيه: جمود القلب ورقة الإيمان والجرأة والصفاقة.
كانت تنتابني مشاعر متباينة، فليس من السهل تفهم مرافعة "رجل زوايا" عن مرتد والغ في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل أسكرته "حقوق الانسان" وحب القانون بطبعته الغربية، التي لا تعترف بحق لخالق الانسان ولا بعصمة لأنبياء الله ورسله، فلعل ذلك أضعف من عاطفته الاسلامية وأعماه عن خطيئته، وقبل ذلك فإن حب الشهرة في نوادي الغرب يعمي ويصم، حتى لو كانت شهرة إبليس: اللعن والطرد، والرجل قبل ذلك وبعده خريج جامعة كاثوليكية أنشأها البابا لحرب أعداء الكنيسة!.. فمع كل هذه الخلفيات تحوم الشكوك حول الرجل وكتاباته خارج الأقواس.
لكن!.. أليس الذي عرى "حسن مختار" حين غرد خارج السرب طويلا مع أغيلمة اليسار، قادر على فضح وكشف خبيئة "محمد ولد امين".. بلى إنه على كل شيء قدير.. فما كادت جراح القلب تندمل حتى أطل علينا المجادل عن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم ينافح عن الرافضة وينال من عالم الأمة ورمزها.. ولا عجب!.. فمن تفهم سب النبي صلى الله عليه وسلم تفهم من باب أولى سب الصحابة وتكفيرهم كما هو معتقد الرافضة، ولئن كان شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم كشف أن هواه مع يهود، فإن الرافضة أحفادُ ابن سبأ، ومن هنا تلتقى الأهواء والهويات.
الامام العلم والشهم الاشم سليل العلم وفارس الميدان أحمد المرابط حبيب الرحمن أتى في خطبة العيد بكلمات قليلات، عظيمات المبنى، يفوح منها أريج الصدق وعَرف الغيرة، اختارها بعناية وحصرها على محل واحد: شنقيط دولة سنية لا مجال فيها للتشيع الذي يسعى لاختراق نسيجها وتهديد وحدة مجتمعها، معتمدا على شهادة العدول، فكان حريا بولد امين أو غيره سلوك طريق العدل والانصاف، بأحد أمور: أن يقولوا لنا بأن موريتانيا ليست دولة سنية، أو أن المد الرافضي لا يستهدفها، أو أن الرافضة لا يعتقدون ما وصفهم به الشيخ!.. لكن دون نسف مضمون خطبة الشيخ خرط القتاد، لذا آثر ولد امين وزمرته سبيل "المشاغبة" بتحطيم الامام (وهو هنا رمز للسنة)، مع النفخ في العدو (التغني بإيران الفارسية).
كانت أولى مشاغبات ولد امين: السعي لتحطيم منزلة الامام، وذلك بنفي صفة المفتي عنه، وتجريد اسمه من صفة العلم!.. وهذه سفاهة، فالشيخ تجاوز القنطرة في العلم وورث منبر الامام بداه، الذي هو مفتي الانام دون منازع، وهذا المنبر سابق لتأسيس الدولة الحديثة، ولا يأخذ شرعيته من قراراتها، بل إنه عقد اجتماعي درجت عليه الاجيال وأجمعت عليه الامة، ولم يكن بداه يوما موظفا معينا من الدولة، بل كان أكبر من الرئيس، وأعمق أثرا وأقرب إلى نفوس العامة، وهكذا يجب أن يكون المفتي، وحتى لو سلمنا جدلا بانتفاء الصفة الرسمية فهذا لا يغير من الواقع شيئا، فالشيخ أهل للفتيا، وقد تناول موضوعا من صميم اختصاصه، لا كمن يدس أنفه في كل شيء دون أثارة من علم.
المشاغبة الثانية غير الموفقة لولد امين تنم عن سقوط وانعدام مسؤولية، وذلك بالتعريض بالشيخ وربط خطبته بأهواء السعودية، وهي شنشنة معروفة، وكأن السعودية هي الدولة السنية الوحيدة التي ترفض التغلغل الصفوي، أليس للمغرب موقف مشهود حيال نفس الموضوع ضمن دول سنية أخرى، كان آخرها السودان والامارات اللتان جرمتا سب الصحابة.. ومما تجدر الاشارة إليه أن أهم نموذجين للدولة عرفتهما شنقيط عبر تاريخها: نموذج المرابطين، ونموذج الدولة الحديثة ، والمنبر الديني الرسمي في كلا النموذجين كان سنيا خالصا، فهل كان الامام بداه ومن قبله المرابطون مرتهنين لسياسات المملكة العربية السعودية!..
ومن مشاغبات ولد امين ادعاء أن خطبة الامام كانت بمثابة مؤتمرات الناطق باسم الحكومة، وهذه مغالطة فالشيخ تعرض للجانب الشرعي، وطالب المسؤولين بوقفة حازمة مع الرفض لأنهم أصحاب السلطة، وكل المتابعين يدركون أن كلامه لم يكن موافقا لهوى السلطان!.. لذا انبرت أقلام مأجورة كثيرة في حملة مسعورة على الشيخ، فلا مجال هنا للحديث عن "ولاية فقيه" وإنما عن أمانة البلاغ، والقيام بواجب النصح للعامة والخاصة.
وحين خيل لولد امين أنه حطم الشيخ ودعوته نشر مقالا أطال فيه النفس وسمه بـ"الرحلة الفارسية"، بث فيه لواعج الاشواق لإيران الفارسية!.. مستلهما تاريخها وآدابها ورجالها .. لكنه كالعادة لم يتطرق لمكمن الداء وبيت القصيد، وهو سياسات إيران في المنطقة ونحرها للمسلمين في أصقاع شتى، وتصديرها للثورة بقوة الحديد والنار، وعداءها المعلن لأهل السنة، وما الشام والعراق عنا ببعيد، والمقال على طوله قليل الفائدة إذا ما استثنينا جوانب السرد الأدبي وحسن الترسل فيه، ولنا معه وقفات يسيرة:
الكاتب مفتون بالأدب الفارسي، وأنا كذلك مفتون بالأدب الفرنسي، لكن لا سلطة للأدب على العقيدة والسياسة.
الكاتب مفتون بقوة إيران وتقدمها، وهذه مسألة فيها نظر فروسيا أقوى منها، وتوافقها في نفس السياسات: سياسات تقتيل النساء والاطفال في سوريا يا داعية حقوق الانسان!، فهذه قوة سلبية الضعف خير منها.
تعرض كاتب المقال لإيران النووية الممانعة، وكنت أربأ به عن ذلك، فإيران لم تكن يوما في عداء مع الغرب بتصريحات الطرفين، لذا نسق معها في حروب كثيرة، وسلم لها العراق على طبق من ذهب، ولم يمسها بسوء يوما وهو صاحب الضربات الاستباقية.
أخطر وأهم ما في المقال اعتراف الكاتب بأنه مهندس العلاقة مع طهران، وهذه معلومة مهمة، كشفت حقيقة الكاتب وعرت أوراقه، فليس هو صاحب رأي وفكر ينقد خطبة الشيخ من هذا المنطلق، وإنما هو صاحب جلسات ومسامرات ورحلات مع ملالي طهران!.. وإذا عرف السبب بطل العجب.. فالذي تحركه العمالة والولاء ليس الشيخ وإنما هو ولد امين!..
وهذا يدعونا إلى تلمس الاجابة على سؤال يتردد صداه في فضاءات شنقيط الآن: هل تشيع ولد امين؟..
مما لا شك فيه أن الرجل شيعي بل فارسي الهوى حد التتيم!..
كما أنه كان نشازا وتولى كبر الهجوم على الامام والتقليل من مضمون دعوته، بل والتعريض به.
وفوق ذلك دبج المدائح الطوال في إيران الفارسية في سياق غير موفق.
ومع كل ذلك ننصح بعدم التسرع، والتحفظ في نسبة أي شخص كائنا من كان للفرقة الرافضية إلا بيقين، والأيام حبلى، وخطبة الشيخ كشفت وستكشف المستور.. ويومها تعلم شنقيط عودها من صديقها.
الاستاذ أحمد ولد سيد محمد