لا يمكنني أن التمس العذر لوزير الثقافة إن أخطأ في الإملاء، فقد تعوّد أن يُملى عليه من جنرال انقلابي فلا يعقب له حكما و لا يتجاوز إملاءً.. فحين كثرت الضغوط الاجتماعية على ولد الشيخ ليعفو عن الشيخ باي، أملى عليه سيدُه الأرعن أوامر بالرفض، فهو لا يحب الشباب الطافح بالثورة كغُدران عين أهل الطائع.
و ربما ليس ولد الشيخ بِدعاً في ذلك، فشلة الأقزام التي تحيط بولد عبد العزيز لا يعصونه ما أمرهم، و لا يفعلون غير ما يأمرون.. و ربما لذلك السبب قال ولد عبد العزيز مرةً “إنه لا يهتم لكفاءة موظفيه، و إنما لامتثالهم الأوامر”.. لا يريد وزيرا بأصغريه و إنما آذانا كأوراق الحَلْفَاء، تلتقط “التوجيهات السامية” كصحون هوائية.
ولد عبد العزيز يدير حكومته كما كان يدير كتيبة الحرس الرئاسي.. و بذات النفس المريضة التي دفعته للغدر بمن ائتمنه على حراسته.
فكيف يخطئ ولد الشيخ في الإملاء، و هو الذي لا يتخذ قراراً، و لا يدلِي بتصريح، لم يُملَ عليه.؟!
ربما لم يربط وزير الثقافة تاء “المواساة” و “الوفاة” لأنه ليس رابط الجأش إلى حد يجعله يربطها و هو الذي لا يعرف كيف سيربطها سيده لو كان مكانَه (و هنا مربط الفرس) .. فلا يسعه إلا التوقف عند “المواساة” حتى يعرف حكم “الجنرال” فيها.. فهو لم يتعوّد في طباعه مواساة و لا مساواة.. خصوصا في وقت يتوقع فيه منكوبو آدرار مواساة منه، و ينتظر ضحايا امبود مساواة بهم.
و ربما ارتعدت أنامل ولد الشيخ و أخذته حمى بنافضٍ و هو يكتب تاء “الوفاة”، خشية أن يسبقه قلمه لكتابتها همزة، فيحل عليه غضب رجل لا يعرف الوفاء.. و ربما خشي أن يربطها فيتشاءم بها الجنرال الذي يخاف الوفاة، و يبدو أن الوفاة أيضا تخافه و ربما لهذا بسطت تاءها فَرقَاً، لعلمها أن الرئيس يشاهدها و هي تكتب (كدت أكتبها تكذب.!) بأنامل وزير أكاذيبه.. فهو كما قال المتنبي:
تمرّست بالآفات حتى تركتها تقول: أمات الموت أم ذُعر الذعر
دخل الوزير السابق ولد ابراهيم خليل ضحوة على ولد عبد العزيز و قد لبس بياضا في بياض: فضفاضته و قميصه و سرواله، فتطيّر منه “البطرون”.. و ربما لهذا السبب أبعده إلى أوروبا.. فماذا سيكون مصير ولد الشيخ حين تنقله له تلفزيون خيرة بنت الكربية و هو يكتب له “الوفاة” عيني عينَك.
التمسوا العذر لولد الشيخ فهم “لم يربط السراويل” حتى يربط التاء.. فقد كان بعض أمراء هذه البلاد يمنع بطانته من أن يلبسوا سراويل بحضرته.. أما أكثرهم ديمقراطية فهم من كان يحتكر لبس “السراويل الأبيض.. و المؤكد أن هؤلاء أكثر ديمقراطية من ولد عبد العزيز، فلا تتفاجئوا إذن لو نما لأسماعكم أن هؤلاء يخلعون ملابسهم الداخلية في مجلس الوزراء.
على كل حال، سيدخل ولد الشيخ التاريخ لأنه أول وزير موريتاني يرفض الإملاء.. و ستدخل “التاء” التاريخ لأنها أول ما يبسطه وزراء الأرعن، فقد قبضوا و انقبضوا.. فلم يبسطوا الأرزاق و لا الحريات و لا الوجوه.
أما نحن فالقابض منا على مبادئه في ظل نظامهم التعسفي كالقابض على جمر.