الحكم على شباب احتج بأسلوب سلمي على قساوة حكم على محتج آخر بأسلوب سلمي هو قمة الرعونة.
في بلد لا أحد فيه يهز الرأس عرضاً.. و لا سُوقة فيه يرفض استبداد ملك.. و لا غفير يحتج على ظلم أمير.. و تصفع الحكومة المستبدة فيه المواطن فيدير لها خده الآخر، يكون الأولى نصب تماثيل من فولاذ لمن يقولون “لا” في وجه من يقولون “نعم” و ليس الزج بهم في غياهب السجون الصماء.
هؤلاء هم ملح هذه الأرض..
هم فلفلها و بهارها..
هم فلّها و ياسمينها حيث تغزو الخمائلَ أعشاب برّية، و قد أضعناهم و أيَ فتيان صدق أضعنا.!
لو كانوا من الشباب الذي تمجَل كفه من التصفيق للحاكم، و تنبهر أنفاسه من الركض خلف سرابه، لوجدوا حضناً من القبيلة و إكباراً من مجتمع “البيظان” الحقير..!
لو كانوا من شعراء بلاط بنات الكربية توتو و خيرة، المتمسحين بأحذيتهن، اللاهجين بحمد ولد محم لكان لهم بذلك ظهير و سند.!
و لو كانوا نشطاء في هيئة “رصاصة” الرحمة، الجالسين القرفصى، يستمعون لخطاب بدر البدور و كأنما على رؤوسهم الطير لكانوا موضع إجلال عامة الناس و خاصتها..!
و لو كانوا قراصنة في خلية النذل احميده ولد اباه، تتنصت على الهواتف، و تخترق الحواسيب، و تَتَبع عورات الناس و تتطفل على حياتهم الخاصة لكان خوف الناس منهم خيراً من ودهم لهم..!
و لو كانوا أصحاب مبادرة “لترشيح الأرعن مأمورية ثالثة” لاستقبلهم في قصره، كما فعل مع شباب “نعم عزيز”، فأشادت بهم وكالة المدير ولد بونه شباباَ طيباً لا يشق لوطنيته غبار.
غير أنهم سبحوا ضد التيار.. فنشدوا الحرية في بلد الاستعباد، و العدالة في دولة الظلم، و الكرامة في عهد الإهانة، و الحقيقة في زمن الأكاذيب.
لن ترى من بواكي لهذا الشباب الواعد غير عيون الزمن الباحث عن غده..!
لن تنتطح في سجنهم شاتان، غير الشمس في جلالها و القمر في جماله..!
و لن يخرج لإنصافهم غير آهات الدواخل و زفرات الصدور، التي لم يكونوا يريدون لها حبساً.!
لقد كشف هذا الحكم ضرورة القضاء على هذا القضاء: بتعريته، و بالثورة على النظام الذي يرعاه و يحميه، و الذي جعل منه دمية تراقصها كف السلطة التنفيذية الخرقاء..
هذا القضاء الذي لا يقسوا مع ناهبي المال العام، و لا تجار المخدرات، و لا مرتكبي جرائم الاغتصاب.. و الذي تتعطل أحكامه حين يكون الجاني إبن الرئيس أو ابن عمه، و الذي يجرّم من يضرب بحذاء و يبرّئ من يطلق رصاصاً، هو قضاء يجب القضاء عليه، بعد أن قضوا على مصداقيته و استقلاليته.
هل يريدون منا صبراً لا ينفد، حين ينهبنا الأرعن وبطانته كما ينهب بغاث الطير الحصاد، ثم يخرج عليها وجه الشؤم محمد الأمين ولد الشيخ فيجرفنا بسيل أكاذيبه، و يحثو من الليل في عيون النهار.؟!
هل يريدون أن نظل كرة مطاط: نُرمى في الماء فلا نبتل، ثم نضرب على الأرض فنقفز..؟!
هل يعرضوننا للسع أفاعيهم و فوعة سمومها ثم لا نصرخ وجعاً، و لا نتضور جزعاً..؟!
لماذا لا نفقد صوابنا و قد ملأوا حياتنا نارا و شعوذة و كذباً.؟..
لماذا لا نقذفهم بأحذيتنا و قد قذفونا بمنجنيق ترهاتهم و افتراءاتهم.
سقوني و قالوا: لا تغنِ و لو سقوك جبال حنين ما سقوني لغنت
اعتقد أن السبب الوحيد الذي يمنحهم الحق في سجن الشيخ باي و رفاقه هو أنهم “أجرموا حين ضربوا الكذاب بحذاء و ليس برصاصة”..
لو فعلوها لاستحقوا “الرحمة”.
نقلا عن صحيفة تقدمي