ولبس العزيز ثوبه الجديد واصبح رئيسا للعرب وقائدهم الفذ ومخلصهم من الذل والهوان والضعف والتبعية للأمم الأخرى..اتمنى من كل قلبي ان يكون كذلك وان يحقق ماعجز عنه اسلافه في رئاسة الجامعة ..غير ان مايهمني في طريقة اكتساب هذه الصفة هو ذلك الشعور بالمرارة الذي خلفته في كمواطن بسيط، وهو شعور لازمني طيلة الأسبوع الماضي بسبب متابعة التحول السريع والمفاجئ والغريب لمواطنين من صفات الى اخرى دون كبير عناء.
في رأيي المتواضع ان القمة لم تختلف عن سابقاتها،نجحت شكليا مع انها ولدت فاشلة من حيث المخرجات والمحصلة،ولعل رهان ولد عبد العزيز وبقية الموريتانيين كان فقط على نجاحها من حيث التنظيم والاستضافة وأمن الضيوف،وهذا ما اعتقد انهم تمكنوا من كسبه،وبالتالي فقمة نواكشوط ناجحة وقد قدم الموريتانيون افضل مالديهم وليس يلام المرء في مبلغ الجهد.
لكن لم تكن هذه القمة كغيرها من الأحداث لتمر دون ان تترك اثرا نفسيا على سكان هذه البلاد وعقدة تنضاف للعقد النفسية التي راكمها فيهم احساسهم المتزايد بازدراء العسكر والساسة لهم،فخلال الأشهر الماضية تحولت المنطقة “الخضراء” بتفرغ زينة الى منتجع رائع وهادئ وآمن مؤقتا،كما تم بقدرة قادر تحويل المهندسين الى مهندسين والوزراء الى وزراء والأطباء الى أطباء والاطفائيين الى اطفائيين وأمن الطرق الى امن الطرق واصحاب الفنادق الى اصحاب فنادق ورجال الشرطة الى رجال شرطة والمستشارين الى مستشارين والرئيس الى رئيس والحليب المبستر الى حليب مبستر فعلا،تحول جميع هؤلاء الى صفاتهم الأصلية التي لم يعرفوها منذ تخرجوا من ثكناتهم اوكلياتهم او معاهدهم او دور السينما التي قدموا منها.
بقرار رئاسي يعمل المهندس بجد واستماتة لتحويل المسخ الشائه الذي انجزه بالأمس الى منشأة جميلة،وبذات القرار الرئاسي تحول الشرطي الى شرطي يتقن عمله ويقوم به باحترام للمواطن،وبنفس القرار تحول الوزير الى وزير يسهر على اداء موظفيه ويتابع ادق التفاصيل في هذا الأداء.
الطبيب ينقذ الوزير الضيف من ازمة قلبية بحرفية،والممرض يدخل مسرعا عنبر الصحافة لاسعاف احد الاعلاميين الأجانب بمهنية عالية.
الصحافة الوهمية لم يسمح لمجموعات كبيرة منها بالدخول لأنها “غير محترمة وستزعج الضيوف”.
باختصار لبس المستضيفون صفاتهم الأصلية في كيلومتر واحد لمدة اسبوع واحد،وحين غادر الضيوف ناموا كيمليخا ومرنوش في انتظار عودتهم الى صفاتهم التي عرفناهم بها.
سيخرجون من نومهم كالتالي: المهندس شاعر فاشل،والوزير بواب اعمى واخرس،والشرطي شريك رسمي لصغار اللصوص،يقاسمهم ريع النشل، اما امن الطرق فإرهاب الطرق،وهكذا البقية.
ذهب الضيوف فاستيقظنا على المنطقة الخضراء وقد تحولت الى ارض قاحلة كأنها لم تغن بالأمس،استيقظنا على الخطوط البيضاء وقد تناثر طلاؤها على الشارع كقطرات تطايرت من رضاعة وليد..هل تعرفون ذلك الطلاء الذي يلون الأرصفة،لقد امتزج فتحول الى بركة مغير.النوافير التي تزين مدخل القصر نضبت لأن شركة آس ان دي اه اصيبت ب “اعتراض” التوت بموجبه الانابيب وضعف مستوى الضخ..الفتيات المبتسمات للجميع في عنبر الاعلاميين ذبلت ابتساماتهن لأن لجنة التنظيم لم تدفع لهن المستحقات،وفي الوقت الذي اكتب فيه هذه الحروف ترجل سائقو السيارات عن مركبات لم يحلموا بقيادتها قبل القمة، جلسوا امام القصر الرئاسي في انتظار مستحقات تفرقت بين القبائل.
وحدها اللجنة الاعلامية لن تتكلف عناء العودة الى حالها الأول،اذ انها لم تبرح عجزها وعدم خبرتها للحظة،فقد دخلت القمة كما خرجت منها، لاتعرف ماعليها القيام به وبالتالي لجأت الى طريقة بسيطة وهي تلبيس شركات الانتاج والمراسلين “جريمة “اظهار القمة على انها فاشلة.
في عشرين بيتا من تفرغ زينة ومن مختلف القبائل “المشعة” يجلس افراد الأسرة “جلسة عمل”،يقدم خلالها الأب جردا لمدخراته من صفقة شارع تم طلاؤه بصباغة الشعر بدل اصلاحه،في حين تخرج الأم مافي حقيبتها من اموال سرقتها بطريقة بسيطة وهي انها لم تشتر الباذنجان او الباميا،اما كبرى البنات فادخرت من طلاء النخيلات،وللأولاد ريعهم من تأجير السيارات…البنت المدللة ستعوض عن فشلها في الباكلوريا بالمال الذي جنته من القمة فقد تطوعت ” للوطن” بقصرها الكبير لكنها أجرت البيت الصغير بثمن بيع القصر والبيت معا.
العقيد نائم نومة اللحود لأنه شبع من تجويع حراس القصر،وكذا المفوض الذي تناول افراده الطعام مجانا في المقاهي المجاورة للقصر.
الرابح الأكبر هوالرئيس الذي استعاد صفته بمجرد اختتام القمة،فهو المستفيد من عدم شراء الباذنجان والسندوتشات للجيش وتأجير البيت والسيارات وعدم تزيين النخيل.
اما المتضرر الأول والأخير فهو الشعب الذي سينظم فيه السير غاضبون وسيؤمنه جائعون وسيسير على شوارع من خيال.
كيلومتر واحد كلّف تزيينه المليارات لارضاء العابرين الذين لايستحقون الا استقبالهم بالعصي والهراوات التي حملوها ضد شعوبهم.
اما بقية موريتانيا فتنتظر قمة اخرى فسكانها ليسوا عابرين ولم يقمعوا شعوبهم ولم يقتلوا وبالتالي لايستحقون الشوارع ولا الأمن ولا الكهرباء ولا ابتسامات المضيفات ولا اسلوب امن الطرق اللبق والمهذب،لايستحقون ايا من هذا فهؤلاء موريتانيون.
للأسف..
نقلا عن تقدمي