عقد القادة العرب قمتهم في نواكشوط، و جرّ ولد عبد العزيز ذيله كالطواويس لأنه كان أول رئيس موريتاني يستضيف قمة عربية في بلاده.. لقد غادر الهامش الذي ظل مربط أفراسه، فلم يعد ظئراً للصومال و الجيبوتي.. و هكذا أيضا نفش طواويس “الديماغوجية” ريشهم الزاهي ، ليتهموا كل من لا يرى رأيهم بأهمية عقد هذه القمة في الوقت الراهن في نواكشوط بالخيانة العظمى و انعدام الوطنية.
لقد أصرّ الجنرال على أن يعقدها و إن تحت “خيمة”، فأثار بذلك حماس “أهل لخيام”، الذين رأوا من نجاح قمتهم أن العناية الإلهية حبست المطر و أسكنت الريح وهيأت للضيوف غطاءً و وطاءً.
أليس فشلا في حد ذاته أن ينشد نجاح القمة من حالة الطقس و مزاج الأنواء.؟..
لنفترض أن الغمام أسبل دوالحه فغرقت المدينة في دموعها فهل كنا سنعتبرها قمة فاشلة.؟.. و هل كان من الحكمة أن نضع أنفسنا تحت رحمة “الأمطار” في موسمها، حين لم نعدّ العدة و لم نهيء الأسباب.
لقد أخطأ ولد عبد العزيز حين قرر استضافة قمة عربية في بلاد لا يتوفر فيها مقام كريم، و لا أمن و لا مرافق صحية.. و المطار الذي شدنا و شدَونا به أغرقه طَلّ فكيف بِوَابل.!. فلو كان الرجل ممن يحسب الدقائق قبل الجلائل، و يصدِر الأمر حين يورده، لما أقدم على مغامرته غير محسوبة العواقب. فحتى في منطق “أهل لخيام” يسيء المرء لنفسه حين يستقبل في “خيمة” ضيوفاً يستقبلهم أبناء عمومته في البروج المشيّدة ، و يقدم لهم ثريدا وسخينة حين يقدم أبناء عمومته الكافيار، و يجعلهم يخشون على نفوسهم حين يأمنون في مضارب “خيام” غيره.
لقد نشر ولد عبد العزيز باستضافته للقمة غسيلنا للعالم، فنحن “بلد توقظ الجرذانُ النيامَ في فنادقه”، و “تغرق مطاره بُصاق أمطاره”، و تجزع فيه أسرة الوزير الإماراتي أنور قرقاش لأن ألّمت به وعكة صحية في نواكشوط.
و من أحوج الناس إلى ذمّه ذموه بالحق و بالباطل
كان على ولد عبد العزيز قبل أن يضعنا أمام هذا الاختبار الصعب أن يعدّ له عدّته، و هو ما لا يتمُّ بين عشية وضحاها.. إنه بنى تحتية، و مرافق و طرق و أمن و صحة و إعلام محترم بصحافته و مهنييه و تقنياته . و إلا كان الأمر أشبه بالخرقاء التي تنتظر بغزلها أن يطلع سهيلٌ (النجم الذي لا يطلع إلا حين يشتد البرد) فتستيقظ سحراً و قد لسعها زمهريره لتستغزل قرائبها. يقول الشاعر:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسُحرة سهيل، أذاعت غزلها في القرائب
و هكذا أيضا أذاع ولد عبد العزله غزله في “الدول العربية” فجمع من فَضل مساعداتهم 150 مليون دولار، تم تسليمها له من “تحت الطاولة”، من غير أن تدرج في الميزانية أو تمر على الخزينة العامة، لتكون تعويضا على الأموال التي ساقها الحظ للفتاة السلوفاكية Magdalena Kralovicova.
لقد كانت قمة الفضائح الاقتصادية، فالصفقات كانت من نصيب حاشية ولد عبد العزيز القريبة، و صفقة “المطار” الذي صفقنا له تحفةً معماريةً و غضضنا الطرف عن تجاوزاتها كشفت لنا عن برقع فسادها و نقابه.
لقد تجملت نواكشوط بمكياجها المبتذل لأبناء عمومتها ما لم تتجمل قط لأبناءها، فلم يهمها منذ تولى الأرعن السلطة أن يسوء مواطنا صرف صحي أو كئابة منظر أو رداءة خدمة عمومية، فهي أشبه بمن تتجمل للخليل و تتبذل للحليل.
لقد تداعوا يُهنِّئ بعضهم بعضا على نجاح القمة، و في نظري أن جامعة دول يستضيف قمة قادتها الديكتاتوريين رئيس “انقلابي” بعد ربيع للحرية و المساواة كان شباب في سن الورد وقود ثوراته، هي قمة فاشلة و إن غاب عنها القذافي و مبارك و بن علي.
إن قمة ماتت قبل أن تستهل صارخة، فلم تعد تتحدث عنها في يومها الثاني وسيلة إعلام واحدة هي قمة فاشلة..
إن قمة لم يتجاوز بيانها الختامي “نؤكد.. و نشجب .. وندين” و لم يبلغ عمرها يوما كاملاً، و كانت الأقل حضورا للملوك و الرؤساء من بين جميع القمم العربية، و لم يُضمن فيها أمنهم بغير هدنة سرية “معوّضة” مع قاعدة المغرب العربي هي قمة فاشلة.
و قمة يمكن للمطر لو هطلت سواريه أن يفشلها هي قمة فاشلة.
الحقيقة إننا كنا موضوعا مشرفاً في الصحافة العربية يوم انتخبنا سيدي ولد الشيخ عبد الله، في سابقة عربية، رئيسا مدنيا.. و لحماً غريضا تنهشه أقلامهم و تخدشه تصريحات وزرائهم يوم أقمنا “قمة” في “حضيض” من الفقر و التخلف و رداءة التنظيم و التسيير.!
فلو سكتت ما رأوك.!
نقلا عن تقدمي