حين تستقبلك المدينة بلوحة <أنواكشوط عاصمة ألعرب فلا تتسرع وتعتبر الأمر مجرد حفاوة عارضة بمناسبة انعقاد القمة العربية ، بل تمهل لتجد أن تلك اللوحة عبارة عن تجسيد مكثف لحقيقة تعبر عنها بجلاء تسميات مقاطعات وأحياء المدينة ومرافقها الحيوية وشوارعها وعناوين محلاتها،وهي تسميات تنضح بعميق الارتباط بالعروبة أرضا وتاريخا وقيما إسلامية وحضارية فاضلة.
وستكتشف هذه الحقيقة من أي جهة تدخل المدينة وتتعمق لديك أكثر كلما تجولت داخل أحيائها ولاحظت عناوين محلاتها وشوارعها،فأول شارع ستسلكه انطلاقا من مطار أم التونسي الدولي شمال المدينة في اتجاه مركز المدينة هو شارع الشيخ زايد الموصل إلى شارع القدس،أما أول شارع رئيس يشق مركز المدينة فهو شارع جمال عبد الناصر الذي يتفرع عنه شارع الملك فيصل وشارع الحبيب بورقيبة،أما إن دخل الزائر المدينة من الجنوب فأول مقاطعة تستقبله فهي <الرياض>المختزلة باسمها جزءا يسيرا من تقدير الموريتانيين وعرفانهم بالجميل للمملكة العربية السعودية الشقيقة،وعلى بعد خطوات ترحب بك مقاطعة عرفات تيمنا وتلعقا بموقع الحج الأكبر عرفة،وفي نهاية هذه المقاطعة شمالا ستجد مجسما كبيرا للكعبة المشرفة فوق بناية<مجمع البيت التجاري >، وقبالة عرفات غربا ستحتضنك <بغداد > العزة والكرامة،وحين يلج الزائر انواكشوط من الشرق فعبر بوابة حي دبي رمز الكرم العربي الأصيل ومركز التوريد التجاري الأول إلى موريتانيا،وغير بعيد سيكتشف الزائر تسميات لأحياء داخل المدينة مثل <تل الزعتر> و<الفلوجة>، فتعود به الذاكرة إلى معاناة مخيم تل الزعتر ببيروت سنة 1976 خلال الحرب الأهلية اللبنانية،وإلى حصار واقتحام <الفلوجه > بالعراق أثناء الغزو الأمريكي سنة 2004،وأصل تسمية هذه الأحياء أن سكانها الأصليين يشبهون معاناتهم خلال عمليات الترحيل إلى مواقع هذه الأحياء التي كانت عبارة عن كثبان رملية متحركة لا توجد بها أية خدمات مع ما قاساه سكان تل الزعتر أو الفلوجه،وفي الطرف الشمالي للمدينة وفي مقاطعة<تيارت> نجد أن أكبر حي بها يسمى <القدس >،والأعمق من كل ذلك و الأبلغ دلالة على تجذر العلاقة بالحواضر والمدن العربية أن الحيين الغربيين لمقاطعة<السبخه> يعرفان <بالبصره والكوفة> بما ترمزان إليه في الثقافة العربية من حوار وجدل بين العقل والنقل بين النظر والأثر.
إن أسماء أحياء انواكشوط وعناوين الأعم الأغلب من محلاتها صورة مصغرة لتاريخ العرب بأفراحه وأتراحه ، ولهذا الارتباط بالعروبة أرضا وقيما تجذر في تاريخ البلد القديم والمعاصر بمختلف جوانبه الاجتماعية الثقافية والسياسية الاقتصادية،نكتفي بنماذج دالة من الفترة المعاصرة ففي المجال الثقافي وسعيا لتعزيز الاستقلال الثقافي عن المستعمر الفرنسي ومن أجل نشر الثقافة العربية ومواكبة تياراتها المختلفة جاء افتتاح المركز الثقافي العربي المصري سنة 1964 في مدينة انواكشوط ليشكل رافعة التعريب الحديثة الأولى في البلد وقنطرة جيل بناة الاستقلال لدخول الحداثة فكريا ومهنيا، ومن بعده جاء افتتاح المراكز الثقافية الليبية و السورية والسعودية والعراقية والمغربية خلال السبعينيات والثمانينيات ليكملوا المشهد الثقافي العربي داخل العاصمة و المؤسف اليوم أن هذه المراكز اغلقت كلها ما عدا المركزين الثقافيين المصري والمغربي.
أما على المستوى الاقتصادي التنموي،فمنذ الاستقلال وحتى اليوم تشكل المساعدات والتمويلات العربية ما يقارب نسبة 80% من محفظة تمويل التنمية الوطنية في البلد وخاصة مشاريع البنية التحتية الهيكلية التي انفرد الأشقاء العرب بتمويلها ويكفي أن نذكر من هذه المشاريع التي جسدت بالفعل حلم بناء دولة مركزية في هذا البلد مشروع ربط عاصمة البلد ابتداء من سنة 1974 بأقصى الشرق الموريتاني في مدينة النعمه عبر طريق الأمل على مسافة تتجاوز 1200 كلم و مشروع آفطوط الساحلي الذي يسقي سكان انواكشوط من مياه نهر السينغال على بعد 200 كلم جنوبا وتنفذ الآن مرحلته الأخيرة المتمثلة في مد توصيلات الماء إلى جميع المنازل داخل مدينة انواكشوط بالاضافة إلى محطات تزويد العاصمة بالطاقة الكهربائية التي كان آخرها محطة الشيخ زايد للطاقة الشمسية الممولة بهبة من الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تلك بعض المعطيات الدالة على أن شعار<انواكشوط عاصمة العرب> مجرد تعبير موجز عن تسميات أحيائها وشوارعها وعناوين محلاتها المعربة في مجملها عن عمق اعتزاز سكان العاصمة شأن الموريتانيين جميعا بكل ما هو عربي تعلقا بأسس الهوية الجامعة وعرفانا بالجميل لأفضال الإخوة العرب.
الأستاذ/محمد سالم ولد بمب