كان الرئيس المصري أنور السادات يحدد توجه المجتمع على أساس النكت السياسية الطازجة التي يتم تداولها بين الناس والتي يحرص مخبروه على إيصالها له أولا بأول ، وتحمل في بعضها تنكيتا على النظام في حد معين ، ولكنها تحمل في مجملها رسالة صامتة عن مدى الإحتقان السياسي والاقتصادي الذي وصل إليه البلد والواقع المعيشي ، … حتى هذه حرمنا منها !!
قد يظن الكثير ممن ولجوا هذا العنوان على بينة أن الكوميدية المثيرة ” نانا توباك” في إعداد الميتين حاليا أطال الله بقائنا وبقائكم .
الحقيقة أن النعي سياسي وإجتماعي نعي ” للمقاومة بالحيلة ” فقد رحلت نانا توباك من الاغلبية الجائعة إلى أقلية النظام الصامتة أصبحت بوقا جديدا يضاف إلى قامة أبواق النظام وطبلا أجوفا ، ككل الطبول الجوفاء في جوقة الأغلبية الحاكمة لا صوتها يسمع ولا غنائها يطرب ، بعد أن حقق لها بعض المحسوبين على النظام احلامها المجنونة .. وهو مايفسر غياباتها الأخيرة ، وندرة خرجاتها الأسبوعية ، بالإضافة إلى الفديوهات التي ظهرت فيها تمجد النظام وتراجعت عن حدة الخطاب المألوف لها في كل خرجاتها التي كانت تتقاضي على معظمها 100 أوقية و500 في أفضلها بأسواق العاصمة ، قبل أن تصبح ضيفة دائمة في بيوت المترفين .
يذكر “لنانا” أن معظم خرجاتها تميزت ببعض البؤس الجميل ومسحة من الثورة على السائد والشائع لا تخلو من طابع الفكاهة والكوميديا السياسية كما شكلت هذه الخرجات في جانبها الأهم مرآة عاكسة لهواجس الطبقة المسحوقة والبسيطة وأحلامهم بالعدالة الإجتماعية والوطن الذي يسع الجميع وهو ما عجل طريقها للقصر أو لمن يمثلون علينا من أجل احتوائها فصوتها الناجز على علاته كان يحمل الكثير من سيف أبا ذر !
رحلت أيام ” نانا توباك ” التي كانت تضحكنا على كل شيء ، فإن لم تجد ما يضحكنا أضحكتنا على أنفسنا ، وسخرنا منها
لم تكن تكذب علينا في اساطيرها الكثيرة ، ولا تخدعنا بمعجزاتها ، نأخذها كما هي دون أن نتعب أنفسنا في فهمها أو فك طلاسيم كلامها ..
رحلت البراعة في إلقاء وطرق اختيار النكتة التي يستخدمها بعض جنرالات الجيش ومفوضي الشرطة القضائية بإعتبارها وسيلة لقياس الرأي العام حيال الظروف المعيشة ومشاعرهم حيال من يجلسون فوق رؤوسهم ، ..
رحلت المقاومة بالحيلة ” والتي تعلو على ” المقاومة بالصمت ” وتدنو من من ” المقاومة المدنية ” التى تعتمد على الاحتجاج المباشر في علم الاجتماع السياسي .
على كل حال أنعى إليكم رحيل اسم ” نانا تباك “ و إخباركم بأنه قد لا يعود واستبداله بـ(((بمجنونة القصر)))
مع أن بعض التوقعات ترجح عودتها بعد حين بما أنها صاحبة مزاج و ” كيف ” على رأي أخواننا المصريين وأصحاب ” الكيف” لا وقت لمغادرتهم كما أن أبواب العودة مفتوحة دائما في طريقهم .
ولكن لماذا لايكون في إختفائها بعض الإيجابية ، لماذا لايكون سر اختفاء النكتة السياسية التي كانت تنتجها “نانا” وتسخر فيها من “لزعيم” وتنفس بها عن المكبوت في أنفسنا هو أن الحكومة ،أو الشعب ، أو هما معا ، يستعدان لعمل إيجابي كبير !!
من يدري .. ربما في لفتتة أخرى نحدثكم عن ذلك العمل .
مسارات