موجة من الصدمات ضربت دول أوروبا التي لم تتمكن من استيعاب تصويت الناخبين البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي.
وتابع مراسلونا في أنحاء متفرقة من قارة أوروبا ردود الأفعال والآثار التي ترتبت على تلك النتيجة الصادمة.
أكبر أزمة تتعرض لها بروكسل – كريس موريس
يمثل ما حدث أكبر انتكاسة في عشر سنوات يشهدها الاتحاد الأوروبي لأنصار فكرة الوحدة الأوروبية.
وواجه الاتحاد الأوروبي أزمات عدة في الفترة الأخيرة، لكن هذه المرة أتت الضربة قاصمة للغاية، ما يجعل دول الاتحاد عاجزة عن تحمل الصدمة الكبرى.
وتحدث السياسي المخضرم كارل بيلد عن الفوضى التي ستعم منطقة اليورو مباشرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد والضبابية التي ستلازم مستقبله على المدى الطويل.
دونالد تاسك يؤكد أن الاتحاد الأوروبي "عازم على الحفاظ على وحدتنا لـ27" دولة عضو
ويتوقع أنصار ديفيد كاميرون أن يحتكم رئيس الوزراء إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة الأسبوع المقبل، ما يفتح الباب أمام إجراء مفاوضات حول الانفصال لعامين على الأقل لما تتسم به هذه العملية القانونية السياسية من تعقيد هائل.
في غضون ذلك، تريد باقي دول الاتحاد الأوروبي عقد اتفاق جيد مع الحكومة البريطانية، لكن أغلب العواصم الأوروبية ليس لديها استعداد لتقديم معروف إلى بريطانيا. وذلك لأن منهجية "الشكوك في الوحدة الأوروبية" تشهد انتشارا في دول الاتحاد على مدار السنوات القليلة الماضية في الوقت الذي يحاول القادة السياسيون في القارة العجوز إظهار أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس سهلا.
صدمة لفرنسا
رغم الانزعاج الشديد الذي ظهر هنا في فرنسا حيال العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، كانت الأنباء عن خروج واحد من أكبر أعضاء هذا التكتل صدمة قوية، علاوة على ما تنطوي عليه من جدل سياسي على الصعيد الداخلي للبلاد.
كانت مارين لوبان، القيادية بالجبهة الوطنية لأقصى اليمين، بين من أطلقوا "صيحة النصر للحرية". كما كتبت على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "لقد حان الوقت لإجراء استفتاء في فرنسا وغيرها من دول أوروبا."
وقالت ماريون مارشال لوبان، ابنة شقيقها وزميلتها في الجبهة، إن هذا سيكون "الموضوع الرئيسي" للانتخابات الرئاسية العام المقبل.
القيادية اليمينية الفرنسية مارين وابنة شقيقتها ماريون مارشال لوبان رحبا بنتائج تصويت بريطانيا وأعربا عن تطلعهما لخروج فرنسا من الاتحاد أيضا
إنه أمر يشغل جُل اهتمام الاحزاب السياسية الرئيسية في البلاد. وكان الرئيس الفرنسي هو أيضا على رأس المهتمين بنتيجة الاستفتاء، إذ ألقى بيانا، قبيل التصويت البريطاني، تضمن تحذيرا شديد اللهجة من التبعات الخطيرة التي سوف تتعرض لها بريطانيا حال الخروج من الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أنه من الممكن أن يحول دون استمرار بريطانيا في السوق الأوروبية الموحدة.
في غضون ذلك، من المرجح أن فرنسا وبريطانيا سوف تعقدان مشاورات ثنائية جديدة تناقش كل شيء بدء من العلاقات الاقتصادية إلى حقوق الإقامة للمغتربين. كما أن هناك سياسيون يدعون إلى نقض اتفاق التعاون المشترك الحاكمة لبشؤون المهاجرين في كاليه.
استياء في ألمانيا - جيني هيل - برلين
قال سيغمار غابريل نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في تغريدة على موقع تويتر: "اللعنة، إنه يوم سيء لأوروبا." وتحدث نائب المستشارة الألمانية عن شعور الغالبية في ألمانيا قائلا إن هناك استياء وصدمة في برلين، وإجماعا عاما على أن هذا قرار سيء لبريطانيا وألمانيا وأوروبا.
ظلت ألمانيا منذ فترة طويلة حليفا سياسيا كبيرا لبريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وكانت لندن تمثل قوة موازية للهيمنة الألمانية.
هناك مخاوف على الاقتصاد الألماني، ووصف اتحاد المصدرين الألمان القرار بأنه "كارثة"، وهناك مخاوف بشأن مستقبل الاتحاد.
وفي كلمة بثها التلفزيون الألماني هذا الصباح، قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إن خروج بريطانيا لن يسرع من تأثير الدومينو في أنحاء أوروبا، في إشارة إلى الخروج المتتالي لمزيد من الدول من الاتحاد الأوروبي.
ولكن وفي مؤشر مبكر على نوع الدعم الذي يمكن أن تتوقعه بريطانيا أثناء تفاوضها للخروج من الاتحاد، قال بيتر باير أحد النواب الكبار في حزب المستشارة الألمانية ميركل في تصريح خاص لي إنه ستكون هناك عواقب على بريطانيا. وأكد باير أنه من المهم إثناء دول أخرى أعضاء في الاتحاد عن السعي للخروج.
ليست هذه هي النتيجة التي أرادتها جمهورية أيرلندا.
شجعت الحكومة الأيرلندية، التي بقيت على الحياد في استفتاء استقلال اسكتلندا، بحماس المواطنين الأيرلنديين المقيمين في المملكة المتحدة للتصويت على البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وسيجتمع مجلس الوزراء اليوم للنظر لمناقشة ما وصفه "بانعكاسات كبيرة للغاية" على أيرلندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي جراء التصويت على خروج بريطانيا. وسيلقي رئيس الوزراء الأيرلندي تاوسيتش اندا كيني بيانا عاما.
وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن ما سيحدث بعد ذلك وكم ستستغرق عملية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فسيكون هناك قلق في دبلن حول مغزى التصويت فيما يتعلق بالحدود مع أيرلندا الشمالية، وأثر ضعف الجنيه الأسترلني والتأثير على التجارة، التي يقدر حجمها بأكثر من مليار يورو بين البلدين كل أسبوع.
ودعا حزب "شين فين"، الذي لديه نواب على كلا الجانبين من الحدود، إلى التصويت على ما إذا كان ينبغي على أيرلندا الشمالية أن تظل جزءا من المملكة المتحدة أو أن تصبح جزءا من أيرلندا موحدة. ولكن من غير المرجح أن يكون ذلك من أولويات الحكومة الأيرلندية، التي لا تعتقد بأن تصويتا لصالح أيرلندا موحدة من المرجح أن يحصل على ما يكفي من الدعم.
في سياق الحملة، اختلفت الحكومة الأيرلندية مع وزيرة الدولة البريطانية لشؤون إيرلندا الشمالية، تيريزا فيليرز بشأن إذا كان سيصبح من الضروري "تشديد" أم "تخفيف" الرقابة الحدودية إذا قرر البريطانيون مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وقالت دبلن إن شكلا من أشكال مراقبة الحدود، سواء على الحدود أو في المطارات والموانئ، على الأرجح سيجري استحداثه لأن جمهورية أيرلندا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تشترك في حدود برية مع بريطانيا.
سجلت سوق الأسهم اليونانية تراجعا حادا صباح اليوم على وقع أنباء تصويت بريطانيا لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وتراجعت بورصة أثينا 15٪ على الفور بعد فتح التداول، وتهاوت أسهم البنوك بواقع 30٪، وهو الحد الأقصى المسموح به قبل تعليق التداول.
وستضيف هذه التقلبات إلى مخاوف من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ربما يعقبه خروج اليونان من منطقة اليورو.
والاقتصاد اليوناني هش جدا، وكان الخبراء هنا حذروا قبل الاستفتاء من أن تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون له تأثير الضربة القاضية على الاقتصاد اليوناني.
ويستند هذا جزئيا إلى ما يحدث للجنيه الأسترليني، الذي انخفض بشكل حاد مقابل اليورو والدولار.
وإذا تبين أن هذه ستصبح ظاهرة على المدى الطويل (تراجع قيمة الأسترليني)، فإن قطاع السياحة الحيوي في اليونان يمكن أن يضرر. يمثل السياح البريطانيون أكبر عدد من الزوار الأجانب إلى هذا البلد ويمكن أن يمتنعوا الآن عن القدوم، لأنه سيكون أكثر تكلفة.
وهناك أيضا مخاوف من أن الصادرات اليونانية إلى بريطانيا ستتضرر. ويعتقد الخبراء أن مثل هذه العوامل والاضطراب المتوقع في الأسواق الأوروبية يمكن أن تفاقم من وضع الاقتصاد اليوناني الضعيف بالفعل.
الأسبان من المؤمنين بقوة بالمشروع الأوروبي ولديهم نشاط تجاري كبير مع بريطانيا. لذا، وبعد أن استيقظت أسبانيا على أخبار نتائج التصويت في بريطانيا وتراجعت البورصة، دعا رئيس الوزراء ماريانو راخوي إلى الهدوء. وأكد أن أسبانيا ستتجاوز أي نوع من الاضطراب.
ولكن هذا البلد هو أيضا موطن لمئات الآلاف من المغتربين البريطانيين. ورغم أن السياح رحبوا "باستقلال" بريطانيا وهم يتناولون إفطارا انجليزيا كاملا، فإن البريطانيين المقيمين هنا أعربوا عن قلقهم بشأن ما يعنيه هذا القرار إزاء حقوقهم في العيش والعمل في الاتحاد الأوروبي والحصول على الرعاية الصحية المجانية.
والحقيقة هي، لا أحد يعرف حتى الآن ماذا سيحدث. هناك أيضا قلق بشأن تراجع الجنيه، إذ أن السياح سينفقون أقل في الحانات التي يديرها بريطانيون، وسوف يعاني المغتربون كبار السن الذين يحصلون على المعاشات التقاعدية البريطانية الخاصة بهم.
رغم أن بعض السائحين في أسبانيا يؤيدون خروج بريطانيا، فقد صوت سكان منطقة جبل طارق بشكل كاسح ضد الخروج
منطقة جبل طارق قد يكون لديها أمور أخرى تقلق بشأنها.
بعد التصويت بشكل حاسم للبقاء في الاتحاد الأوروبي من قبل سكان منطقة جبل طارق التابعة لبريطانيا، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغايو إن قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي فتح "إمكانيات جديدة" بشأن وضع هذه المنطقة. واعتبر مارغايو أن احتمال رفع العلم الأسباني على جبل طارق أصبح "قريبا جدا" الآن.
هولندا من بين الدول التي لديها الكثير لتخسره جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقدرت إحدى الدراسات خسارة اقتصادية لهولندا بعشرة مليارات يورو بحلول عام 2030.
ومع فقدان حليف حيوي داخل الاتحاد الأوروبي ووجود قوة مضادة للنزعات المهيمنة والفيدرالية لكل من فرنسا وألمانيا، فإنه ليس من المستغرب أن ينخرط رئيس الوزراء الهولندي مارك روت في محادثات مكثفة في بروكسل.
كان من بين أول من يهنئ بريطانيا على "يوم الاستقلال"، السياسي المعارض خيرت فيلدرز - زعيم حزب الحرية المناهض للهجرة والمعادي للإسلام. ووعد فيلدرز إذا جرى انتخابه، فإنه سيجري استفتاء على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي. وتتردد مخاوف من انتقال العدوى من انجلترا إلى هولندا.
قبل إجراء الاستفتاء، دخلت روسيا كعنصر في الجدل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
رأت الحملة المطالبة ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أن بريطانيا يجب أن تظل عضوا في الاتحاد، زاعمة أن الكرملين يدعم خروج بريطانيا لإضعاف الاتحاد الأوروبي.
الرسالة من موسكو يوم الجمعة كانت واضحة: لا توجهوا اللوم لروسيا في هذه النتيجة. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي، اليكسي بوشكوف في تغريدة له على موقع تويتر: "روسيا ليس لها علاقة بهذا الأمر. إنها هزيمة للمعسكر المطالب ببقاء بريطانيا في الاتحاد وفشلا شخصيا لباراك أوباما (الرئيس الأمريكي)..."
وقالت محطة "فيستي اف إم" الإذاعية المقربة من الكرملين بنبرة ساخة "من التسعينيات من القرن الماضي فصاعدا، لقد أرسلنا شعبنا خاصة إلى لندن حتى يتسنى لهم بعد 15 سنة لاحقة من لعب دور حاسم في هذا الاستفتاء. يا له من هراء!"
لكن بعض الساسة الروس لم يتمكنوا من احتواء إحساسهم بالسعادة إزاء التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكان من بين هؤلاء عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، الذي أشار إلى أنه "بدون وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، فلن يكون هناك أحد سيؤيد فرض عقوبات ضدنا بشكل قوي جدا."
وقال النائب القومي المتشدد فلاديمير جيرينوفسكي إن الرأي العام البريطاني "قام بعمل بطولي". وأعرب عن رغبته في إرسال برقية تهنئة إلى ديفيد كاميرون يقول فيها: "عزيزي ديفيد، صديقنا الكبير، إننا سعداء بأن بريطانيا اتخذت القرار الصحيح".
بي بي سي