وادان: مدينة محمد الشيخ التراثية تخطف الأضواء..وتهمس للرئيس: الإبداع لا يتقاعد/ صور + فيديو

جمعة, 19/12/2025 - 22:55

في مشهدٍ استثنائيٍّ خطف الألباب قبل العيون، وتحوّل فيه التدشين إلى لحظة إبداعٍ حيّ، خطف رئيس هيئة التراث محمد الشيخ ولد سيدي محمد  الأضواء في فعاليات افتتاح النسخة 14 من مهرجان مدائن التراث والتي افتتحت اليوم بمدينة وادان، واستطاع تحويل رتابة البروتوكول إلى فضاء من الدهشة، حين قدّم قرية تراثية نابضة بالحياة، استوقفت فخامة رئيس الجمهورية محمد الشيخ ولد سيدي محمد، وأكدت – بلا خطابة – أن الإبداع لا يتقاعد، وأن الذاكرة حين تُحسن رعايتها تصبح مشروع مستقبل.

وادان، المدينة التي يحفظ الرملُ أسماءها، فتحت ذراعيها هذه الجمعة لحدثٍ وطنيٍّ بامتياز، حيث دشن فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، مدينة التراث بوادان، في لحظة امتزج فيها الرسمي بالوجداني، والماضي بالحاضر.

ولدى وصوله  كان الاستقبال على قدر المقام؛ عرض تراثي أصيل عزفت فيه “النيفارة والطبل” لحن الذاكرة، وتراقصت الأهازيج الشعبية في لوحات غنائية جسّدت عمق التراث الثقافي الوطني وتنوعه، وكأن الأرض نفسها كانت ترحّب بابنها العائد إلى جذوره.

في مشهدٍ تجاوز طقوس التدشين إلى لغة القرب والودّ، توقّف فخامة رئيس الجمهورية طويلًا عند تفاصيل القرية، مُبدِيًا استحسانًا واضحًا لما رآه من إبداعٍ ودقةٍ ووفاءٍ للذاكرة، قبل أن ينفتح على مدير الهيئة بابتسامات عفوية وممازحاتٍ متكررة، أضفت على المشهد روحًا إنسانية دافئة.

لقد كان واضحًا أن فخامة الرئيس لم يكن يزور منشأة، بل يصغي لفكرة أعجب بها، وعبّر عنها بتعليقاته الودية، التي حملت في طيّاتها رسائل عميقة:

أن الإبداع حين يُتقَن يُقَرِّب،

وأن العمل الصادق يكسر الحواجز بين المسؤول والمبادرة،

وأن التراث ليس ملفًا إداريًا، بل روح أمة.

وخلال جولته في أجنحة المدينة التراثية، حيث تلقّى شروحًا تفصيلية من رئيس هيئة التراث السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد، توقّف فخامة الرئيس أكثر من مرة، ممازحًا، مستفسرًا، ومُشيدًا، في إشاراتٍ حملت تقديرًا غير مباشر للجهد المبذول، ورسالةً واضحة مفادها أن الإبداع الحقيقي يُرى ويُكافأ بالاهتمام قبل الكلمات.

وكان لتلك الممازحات الرئاسية وقعٌ خاص؛ إذ لم تكن عابرة، بل جاءت تعبيرًا عن ارتياحٍ وثقة، وعن انفتاحٍ على من حوّل الفكرة إلى واقعٍ ملموس، فبدت القرية التراثية وكأنها تتحدث عن نفسها، فيما اكتفى الرئيس بابتسامةٍ تؤكد أن الرسالة وصلت.

وفي هذا السياق، أكد فخامة رئيس الجمهورية، من خلال تفاعله المباشر، أن الإبداع لا يعرف سنًّا ولا منصبًا، ولا يتقاعد ما دام مرتبطًا بخدمة الوطن، وأن من يحسن قراءة الماضي، يحسن بالضرورة كتابة المستقبل.

رئيس هيئة التراث السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد، بدا كمن يقود رحلةً في الزمن، شارحًا رمزية الأجنحة ودلالاتها، ومبرزًا كيف تجسّد هذه المدينة حضارة الفتوة والمحظرة الموريتانية، لا بوصفها ماضيًا محفوظًا، بل كحياةٍ متجددة.

وتُعد هذه المدينة التراثية، المنفذة من طرف هيئة التراث، أول حاضنة لأكبر فضاء تراثي وثقافي في مدينة وادان، ومكوّنًا تنمويًا متعدد الأبعاد، يربط بين مختلف القطاعات العمومية، مع الحفاظ الصارم على الخصوصية الثقافية للبلاد.

وعلى مساحة 16.700 متر مربع، تم تشييد هذه المدينة – الأولى من نوعها في موريتانيا – كلوحة معمارية حيّة، تضم قرية تراثية ثقافية، ومسجدًا، وأعرشة تراثية، ومعرضًا، ونظام طاقة شمسية، ومخازن مياه، ومتحفًا، وفضاءات متنوعة، وخيامًا تراثية، ومنزلًا للضيافة، وملعبًا، ومساكن تقليدية منحوتة من الحجارة وسعف النخيل، ومقهى، ومخبزة تقليدية، ومكتبة، ومولّدًا كهربائيًا بطاقة 110 كيلوات؛ تفاصيل لا تُعدّ، لكنها تتآلف في سردية واحدة: كيف يُبنى المستقبل بروح الماضي.

كما تحتضن المدينة أجنحةً تُبرز تاريخ وأصالة المدن والمواقع التراثية في آزوكي، وجزيرة تيدرة، ووادان، وتيشيت، وشنقيط، وولاته، وكمبي صالح، وجول، وأوداغست، وعين الصحراء؛ أسماءٌ ليست محطات، بل فصولٌ من كتاب البلاد المفتوح.

ويهدف إنشاء هذه المدينة التراثية في وادان إلى إحياء الهوية التراثية للمدن القديمة، وتعزيز السياحة الثقافية عبر فضاءٍ جاذبٍ للزوار والخبراء والمهتمين بالعلوم والثقافة والسياحة، لتتحول الذاكرة من حنينٍ ساكن إلى اقتصاد معرفة، ومن أثرٍ صامت إلى تجربةٍ حية.

وهكذا، لم يكن تدشين مدينة التراث بوادان مجرد محطة ضمن مهرجان، بل لحظةً وطنيةً مكثفة، التقت فيها الذاكرة بالإرادة، والقيادة بالمبادرة، والرسمي بالإنساني جميلٌ للأضواء، وخطف جميل للأضواء قاده إبداعٌ واعٍ، ليقول – كما فهمه الجميع – إن من يصادق التراث بصدق، يضمن للمستقبل لسانًا فصيحًا.

#نوافذ