تصيد المناسبات...
لكل مناسبة طابعها الخاص الذي يفرض شكل الخطاب الذي يناسبها، عملا بقاعدة: لكل مقام مقال.. فالمناسبات الدينية مثلا يلائمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير بآلاء الله على الناس، وحث المسلمين على الاعتصام بحبله، ونبذ الفرقة، والتحذير من الفتن ما ظهر منها وما بطن. والأمر آكد حين يوضع الخطاب تحت عنوان تهنئة برمضان، شهر انتصارات المسلمين بالطاعات والتزام الجماعة، واتباع السنة، واطراح البدعة... لكن تهنئة الشيخ الددو للمسلمين برمضان هذا العام انشغلت بهموم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على حساب هموم الأمة رغم وصف الشيخ لها بأنها في كرب وبلاء عظيم...
لعل المسلمين في غنى عن تهنئة تنكأ الجراح فتقسم الأمة إلى ظلمة ومستضعفين في الشام حيث الفتنة التي سعرها التنظيم الدولي للإخوان فدمرت بلدا مسلما، وأزهقت أرواح مئات آلاف الشباب المسلم يقتل بعضه بعضا، وشردت ملايين الأطفال والنساء في أصقاع العالم بحثا عن "الخبز الحافي" ولجوء إلى بيوت أوهى من بيت العنكبوت.
ولعل المسلمين في غنى عن تهنئة تذكي نار الفتنة الطائفية في العراق واليمن، وتحرض على حكومات طاجيكستان وبنغلادش، ولا تذكر فلسطين السليبة، وتذيل قائمة المستضعفين بمسلمي بورما الذين يحرقون في الساحات العامة... وإذا كان ذنب مسلمي بورما أنهم ليسوا من الإخوان ليوضعوا في صدارة المستضعفين، فما الذي جعل الشيخ يتجاهل مأساة فلسطين في تهنئته هذا العام، وقد بدأ بها في تهنئته العام الماضي؟ هل هو التزام بتوجيه حركي أملته تحالفات التنظيم الدولي في حربه السورية؟ لا غرابة، فقد عودنا التنظيم الدولي على تناقض مواقفه بشكل جذري عملا بمنهجه المفرط في انتهازيته.. مستضعفو فلسطين على رأس أولويات الشيخ عام 1436، لكنه يتجاهلهم عام 1437... ثم تنتقل التهنئة إلى التذكير ب"المأسورين من الدعاة في مصر والإمارات..." لن نفتح جدلا جديدا حول مصطلحات الحبس والسجن والأسر، لكننا نذكر بأن كلمة الدعاة لا تحيل دائما إلى معنى محمود، فهي رهين بما تدعو إليه... وقد عرفنا التنظيم الدولي للإخوان داعيا إلى الفتنة، مكفرا لمن لا يروقه من الحكام، ومشددا أخيرا على ضرورة فصل الدين عن الدولة تحت مسمى فصل الدعوي عن السياسي، مثلما تسمى الخمور مشروبات روحية للتعمية... لا ينطلق التحريض على جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة من أمالي التنظيم الدولي للشيخ وإنما تعبر عن غضب إخوان التنظيم عندنا على هذين البلدين الشقيقين لما لقيا به فخامة رئيس الجمهورية من حفاوة، وما أبدياه من استعداد صادق لتطوير وتعزيز العلائق التاريخية التي تربط بين الشعوب والقيادات في البلدان الثلاثة... فهل من دليل أكثر إقناعا من هذا على أن تنظيم الإخوان عدو للأوطان، حين يضع مصالح التنظيم الدولي فوق المصالح الوطنية؟ فالشيخ يتدخل في الشؤون الداخلية لدول شقيقة دفاعا عن الإخوان، غير مكترث بمصالح بلده ومواطنيه...
لا أظن أحدا يتمنى تلقي مثل هذه التهنئة، وإن فرضها عليه توجيه من التنظيم تمنى لو "دونها بيد، دونها بيد"...فكلها "هم وتسهيد"...