لا نحتاج التأكيد هنا على أن الحوار فضيلة إنسانية وأخلاقية تسهل عملية التعارف واكتشاف الآخر على حقيقته من أجل تبادل أكبر قدر من المنافع وتحاشي ما أمكن من الأضرار , فكم حلت هذه الخصلة من تشنجات وحروب وصراعات عبر التاريخ ! وكم ركن إليها من مل الشحناء وعايش الانتجاع في صيف البغضاء وجدب الجفاء وكدر الصدود ومكابدة الجحود ليتلافى ما بقي من الود! .
وفي موريتانيا تطرح مسألة الحوار السياسي الكثير من الأسئلة لما يطبع أجواءه من المفارقات , إذ أن هذا الحوار لم يكن أصلا من المفروض لأنه لا يوجد ما يجبره قانونيا أو دستوريا بل يبقى مجرد تكرم من السلطات الحالية على معارضيها الذين لم يستطيعوا الصبر حتى انقضاء المأموريات لما تعودوا عليه من المغازلات من طرف الأنظمة السابقة التي كانت تنتهج استراتيجيات اخطبوطية في التعاطي مع النشطاء, تسجن منهم ما تشاء ويواليها علنا من تشاء ويتواصل معها في الخفاء من تريد أو يريد هو ذلك, وهي أمور يبدوا أن الذهنية السياسية تعايشت معها إلى حد بعيد وخاصة في أجيال السياسة الأولى الذين لا زالوا يتشبثون بقوة بالمقاعد الأمامية في أكثر الأحزاب الموريتانية وخاصة المعارضة منها .
أما الحكومة فيكفيها تنازلا أنها تقبل الحوار خارج الإكراهات الدستورية إذ تمد لمعارضيها يد الود والتشاور رغم أنها في غنى عن ذلك , إذ المشهد الموريتاني تسيره مؤسسات دستورية بموجبها يزاول كل منتخَب دوره وفي مأموريته العادية التي تستمد قوتها من القانون والدستور الوثيقة المرجعية الأولى وما لم تنقضي تلك المأموريات فلا شيء يجبر هذا المنتخَب على التخلي عن شيء من برنامجه الذي انتخبه الناس على أساسه بل هو مجبر على احترام التزاماته التي لو أراد الناخب غيرها لانتخب غيره !!
أما وقد تنازل رئيس الجمهورية عن حقه الكامل في اختيار ما يراه مناسبا بحكم تخويل الشعب وفي خضم انتصاراته بالبناء والتشييد فإنه على المعارضة أن تشكره أولا بدل التفنن في الشروط و الإملاءات التي تبرهن على عدم الجدية بسبب الفراغ وتهافت البرامج السياسية والمحاولات اليائسة للاقتراب من قلب المواطن الذي اكتشف أن الفراغ والخواء أهم الأسباب التي تدفع بالمعارضة إلى المطالبة بالإشراك من السلطة لا من الناخب الذي عبر وانتهى الأمر!!
وما إن يلاحظ هؤلاء السياسيون بعض النجاحات في الأعمال الحكومية حتى تثور حفيظتهم ويثور "ثائرهم" ويطالبون بما لا يعرفون ,,فلا معالم واضحة في "مقترحاتهم" المطبوعة بالضبابية والعمومية التي تشي بها عباراتهم (الممهدات, بناء الثقة, عدم جدية النظام...) وغيرها من الألفاظ التي لا يعرف أحد حتى الآن ماذا تعني والتي تدل على التخبط والمرارة من نجاحات السلطة المتكررة والتي لم يجدوا فرصة للحد منها رغم الكثير من المحولات والتشويش والتسريب للأجانب في مواسم الإفك التي غذوا بسيل من الأراجيف هزت من مصداقية الخطاب السياسي الوطني بصفة عامة والمعارض منه بصفة خاصة.
ولأن هؤلاء المعارضين لا يملكون ما يقولون في هذا الحوار فقد صاروا يخافونه ويتهربون من الجلوس على طاولته لئلا يفتضح برنامج "اللاشيء" الذي يحملون لذلك يتفننون فقط في اكتشاف المعيقات وهو ما دفع بعض من كانوا معهم إلى التحرر من هذا الوضع النفسي والمساهمة في العملية السياسية بإيجابية تضمن استتباب الأمن والبناء والتنمية..., أما من لا يريدون الظهور على هيأة المهزوم لأسبابهم الفردية فلن يشاركوا إلا بضمانات لأشخاصهم وذلك ما "ماتت أمه" !!! .
سيداتي ولد سيد الخير