يمكن الوقوف على قيمة قرارات المجلس الدستوري في الدفوع بعدم الدستورية من خلال نموذج تعاطى المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد مع القرار رقم :007/2023، بتاريخ:06 مارس 2023، وهي عمليا أحدر تشكيلة جنائية درجة باعتبار:
- إنشائها بقانون خاص: يعد استثناء على المقر فى الأمر القانوني رقم:2007-012، الصادر بتاريخ 08 فبراير 2007، المتضمن التنظيم القضائي، المعدل، من أن:"للمحاكم المنصوص عليها فى هذا القانون وحدها أن تصدر الإدانات."(المادة 7/الفقرة الأخيرة)، ودون مسوغ حاسم يبرر ذلك الاستثناء.
- وبحكم أن تشكيلتها لا تضم محلفين ينتظر من وجودهم ترشيد القرار القضائي للمحاكم الجنائية، وفى الحد الأدنى يمس غياب حق المتهمين في المحاكمة من قضاتهم الطبيعيين.
لقد ورد في حكم المحكمة المختصة فى الجرائم المتعلقة بالفساد رقم:01/2023، بتاريخ 04/12/2023، الصفحة / 13 أنه:" في نفس اليوم :13/02/2023 قررت المحكمة إيقاف المرافعات في الملف، ومنح العارض أجل خمسة عشر يوما، لإشعار المجلس الدستوري، وتقديم ما يفيد ذلك خلال هذا الأجل.
وبعد انتهاء أجل الطعن بالاعتراض استأنفت المحكمة جلساتها في يوم الإثنين 20/03/2023. حيث نودي على المتهم..."
من البداية، المحكمة لا تولى كبير اهتمام لنتيجة ما سمته "الطعن بالاعتراض"؛ فهى استأنفت جلستها "بعد انتهاء " أجل ذلك الطعن، أما قرار المجلس الدستوري :007/2023، الذي نشر في عدد الجريدة الرسمية رقم:1529، بتاريخ:15 مارس 2023، أي قبل استئناف الجلسات بخمسة أيام، فكأن المحكمة لا شأن لها به، مع أن المفترض أن تكون علاقتها به ولائية؛ لا تحتاج الإثارة من الأطراف لتعلق سلامة عملها بمراعاة ما أقر المجلس الدستوري بشأن المقتضيات التي يعتمد عليها حسم النزاع الذي تتصدى للفصل فيه.
الطرف الذي دفع بعدم دستورية (المادة 47) استظهر أمام المحكمة بقرار المجلس بشأن دفعه و:" أثار بطلان الإجراءات السابقة في الملف لبنيانها على (المادة 47) من قانون مكافحة الفساد التي قضى المجلس الدستوري بمخالفتها للدستور، وطلب من المحكمة التصريح ببطلان كل الإجراءات السابقة المعدة في ظل المادة السابقة..."
المجلس الدستوري قضى فعلا في قراره رقم :007/2023/م. د، بتاريخ:06 مارس 2023، بخصوص الدفع بعدم دستورية (المادة 47 /ق.م. ف) بما نصه:
"حيث إن المادة 90 من الدستور تنص على ضرورة حماية القاضي من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه، وبما أن استفادة هيئات التحقيق والحكم من الأموال المستردة من شأنه أن يمس من حماية القاضي في نطاق مهمته، فإن تخصيص جزء من الأموال لهيئات التحقيق والحكم يخالف مقتضيات المادة 90 من الدستور."
ما تضمنه أمر الإحالة رقم :076/2022، بتاريخ 01 يونيو 2022، عن قطب التحقيق الخاص بمكافحة الفساد، ليس سوى العمل المنجز من هيئة تحقيق هي "قطب التحقيق الخاص بمكافحة الفساد"، في ظل نفاذ المقتضيات غير الدستورية في (المادة 47 /ق.م. ف)، التي نصها:" يخصص جزء من الأموال المستردة والمصادرة بموجب هذا القانون لا يتجاوز عشرة فى المائة 10% لصالح الهيئات المكلفة ب... والتحقيق والحكم في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون..."
فى قانون الإجراءات الجنائية، مجرد الادعاء من المتابعين بتعرضهم للضغط يضعضع الثقة بعمل المحققين، ويبطله حال تأكده، أما الضغط على المحققين الذي رأى المجلس الدستوري "أن تخصيص جزء من الأموال لهيئات التحقيق" يمثله فلا يبطل التحقيق!
في ما ليس لها، المحكمة و دون تقديم أي تأسيسات تصدر وتنفذ قرارها بسلامة إجراءات التحقيق التي تمت في ظل نفاذ مقتضيات أقر المجلس الدستوري عدم دستوريتها، دون اعتبار لتمتع قرارات المجلس بسلطة الشيء المقضي به وعدم قابليتها للطعن وإلزاميتها للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية. (المادة 87/دستور)
بحسب (المادة 62) من الدستور الفرنسي يتحدد تاريخ سريان نفاذ قرار المجلس الدستوري الإيجابي بشأن المقتضيات التي دفع أمامه بعدم دستوريتها إما:
-اعتبارا من تاريخ نشر قرار المجلس
-أو من تاريخ لاحق يحدده هذا القرار
-قد يصل الأمر تحديد الشروط والحدود التي يجوز فيها إعادة النظر في الآثار التي رتبها هذا النص.
في موريتانيا لا وجود لمثل هذا التحديد، لكن نص الدستور على شرطي: حيازة الصفة "أحد الأطراف" وتحقق المصلحة المباشرة والصريحة من خلال منع" المساس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور" له. وما أضيف لهما من تعلق الأمر بموضوع معين في نزاع بعينه "مآل النزاع "، لا يترك مجالا للنقاش بخصوص استفادة المتقدم بالدفع بعدم الدستورية من القرار المتعلق بدفعه، بغض النظر عن التاريخ الذي يحدده المجلس لسريان ذلك القرار ، تماشيا مع مبدأ (الأثر المفيد)، وقياسا على ما ورد فى المادة 102/ جديدة) بشأن" دعوى أصلية بعدم الدستورية مثارة خارج مسطرة نزاع ومن غير ذي مصلحة أنه :" لا يمكن تطبيق المقتضيات المحكوم بعدم دستوريتها " ، فكيف يتأتى تطبيق "المقتضيات المحكوم بعدم دستوريتها " في دفع فرعي بعدم الدستورية مقدم من ذي صفة ومصلحة!
في جميع الأحوال، فإنه في ظل غياب نص بتحديد تاريخ لسريان نفاذ قرارات المجلس الدستوري بخصوص رقابته البعدية عن طريق الدعوى الفرعية بالدفع بعدم الدستورية، وعندما لا تتضمن هذه القرارات أي تحديد لذلك التاريخ، لا يكون أمام المعنيين بتلك القرارات سوى الوقوف عند الثابت فى حجية قرارات المجلس الدستوري كما حددتها (المادة 87) من دستور 20 يوليو، المثبت والمعدل:
" لا يصدر أو ينفذ حكم أقر المجلس الدستوري عدم دستوريته.
تتمتع قرارات المجلس الدستوري بسلطة الشيء المقضي به.
لا يقبل أي طعن في قرارات المجلس الدستوري، وهي ملزمة للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية." والحد الأدنى لتلك الإلزامية أن لا يكون حالها: كأنك لم تسمع ولم يقل...
* أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية /جامعة نواكشوط