أسمع منذ بعض الوقت انتقاداتٍ تأخذُ حيناً أسلوبَ النصيحةِ، وحينا تتدثر بلبوسِ الانتقاد..
تارةً تأخذ منطقَ الخوفِ على مستقبلي الوظيفي، وتارةً تبدو و كأن صاحبها يطلبُ مني مواربةً أن أتموقع داخل جسم الدولة العميقة تطبيلاً وتزميراً و إلا صمتا وذلك أضعف الإيمان..
وقبل ثلاثةِ أيامٍ قِيلَ لي نفس الخطابِ بأسلوب آخر، أسلوبٍ أكثر حدةً، ولكنه أكثر وضوحاً وصراحةً؛
قال محدثي وهو شخصٌ أعزه كثيراً، ولا شك سيقرأ هذا الكلام، قال ما معناه:
- أنت يا محمد شخصٌ متناقضٌ جدااااا، تأخذُ راتباً شهريا من الحكومةِ ثم تشتمُها يوميا على صفحتك وبين أصدقائك...
تأخذُ راتباً من ميزانية الدولةِ ثم تنتقدُ علناً رئيسَ الدولة، وهذا ليس من شيم الرجال.
كان يتكلم ونبرة الصدق بادية في كلامه، ومن نظرة خاطفة على عينيه اكتشفت أنه مقتنع بما يقول كامل القناعة.
فأجبته صادقا أيضاً بالنقاط المبينة أدناه:
أولا:
أنا لا أتقاضى راتبي من رئيسِ الجمهورية، ولا وزيره الأول ولا وزير ماليته.. بل أتقاضى راتبي من ميزانية الجمهورية الاسلامية الموريتانية، الوطنِ الذي أؤمن به إيماناً راسخاً، وأكفرُ بمن يقودُه كفراً بواحاً.
ثانيا:
الراتب الهزيل الذي أتقاضاه ليسَ مِنَّةً من الحكومة.....
أحصل عليه لأن أبي صرف علي حتى درستُ سبعَ سنوات ٍبعد البكالوريا؛
ولأنني خضتُ مسابقةً للتوظيف لم أستخدمْ فيها وساطةً ولم أختلس؛
ولأنني تخرجتُ من المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء بعد ثلاث سنوات من التكوين المستمر بما في ذلك التدريب العسكري؛
ولأنني أملكُ استحقاقاً وظيفةَ "كاتب صحفي"، وهي أعلى رتبة في قانون الوظيفة العمومية في بلدي.
ثالثا:
أحترم جدا رئيس الجمهورية وأحترم مسماه الوظيفي، ورمزيةَ وظيفته التي هي مبرر انتقادي له؛ فَلَو جلس في بيته ولم يترشح لرئاسة وطنٍ يجري حبُّه في دمي لسلمَ من انتقادي.
رابعا:
مشكلتي دائما أنني أنظر بعينيَّ وأفهمُ بعقلي؛ ولا أسمح لأحدٍ أن يرى أو يفكرَ بالنيابة عني،
سأظل أنتقدُ الحكومةَ حينَ تخطئ، وأنتقد المعارضةَ حين لا تصادفُ هواي.. ولكن انتقادي في الحالتين لن يكون كلاما ساقطا ولا كلاما من أجل الكلام.
سأخرج في أية مسيرةٍ تتقاطع أهدافُها مع ما أعتقدُه وأراه، حتى وإن كان الشيطانُ نفسُه هو من دعا لها، وأتحملُ مسؤولية كل تصرفاتي وأقوالي.
خامسا:
حتى لو فتحت الحكومةُ حنفيةَ نقودٍ وذهبٍ وماسٍ في غرفة نومي، فذلك لن يسكتني عن قول وفعل ما أراه.
واضح؟
سادسا:
لو كنت للبيع أؤكد لكم لا أحد على هذه الارض يمكنه دفع ثمني،
ولكنني غيرُ قابل للبيعِ البتةَ، ولا يمكنني أن أكون جزءً من القطيعِ أسبِّحُ باسم الرئيسِ المبجل وحاشيته...
كما أنني لا أصلح للعب دورِ الشيطان الأخرس الساكتِ خوفاً أو طمعاً أو هما معاً.
وخلاص
الشاعر محمد ولد إدومو