محمد سالم: بعد أن انقضت نصف أيام الحملة الانتخابية، وتبارى المرشحون في عرض خطاباتهم السياسية ورؤاهم لحاضر ومستقبل البلاد، وبعد أن أظهرت المهرجانات والاستقبالات، ونوعية الحشد، واصطفافات الناخبين الكبار والمؤثرين بعض المؤشرات المهمة التي يمكن أن تمنح صورة عن مآلات هذه الانتخابات، ومتوقع نتائج يوم التصويت.
ومن بين مختلف المترشحين يمثل المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني الرقم الأكثر أهمية من حيث احتلاله الرتبة الأولى على لائحة الانتخاب، وتمدد وتعدد داعميه في مختلف المستويات، وكذا في نوعية خطابه السياسي وأسلوبه، وفي حجم الحملة الموجهة ضده.
ولعل اللافت الأول في الحملة، هو محافظة ولد الشيخ الغزواني على أسلوبه الذي عرفه به الخاصة من طهارة اللفظ، والبعد التام عن التجريح، وعدم القابلية للاستفزاز، ويظهر هذا المنحى جليا في تأكيده قبل انطلاق الحملة على ضرورة احترام المشرفين واعتبار السباق الانتخابي تنافسا بين برامج في خدمة الوطن، ليعود مرة أخرى إلى تأكيد المعنى ذاته في خطابه في أطار، مؤطرا السباق في سياق التنافس الإيجابي بين أبناء الوطن الواحد.
وتمثل هذه الميزة إحدى نقاط قوة المرشح الأقوى في رئاسيات 2024، وهو الميزة التي مكنته خلال السنوات الخمس المنصرمة من استفلال فتيل الأزمة السياسية، واستقطاب قوى فعالة ونوعية وشخصيات ومرجعيات مجتمعية وروحية، كانت في عمق المعارضة أو أقرب إليها.
الجديد في هذا الخطاب هو استقراره في شخصية المرشح، وأنه يأتي بعد عقد من السجالات البشعة المتبادلة بين الساكن السابق للقصر الرئاسي ومعارضته.
وإلى جانب ذلك تظهر الحملة من نقاط قوة ولد الشيخ الغزواني عناصر أخرى منها:
قوة الدعم الجماهيري: الذي تظهره المهرجانات الحاشدة التي واكبته منذ افتتاح الحملة إلى رحلاته في الداخل، وتتوزع هذه القوة بين تمدد نوعي في الناخبين الكبار، عبر عدد هائل من المبادرات التي تقودها قوى وشخصيات مؤثرة، أو عبر انتشار أفقي واسع، مكنت من تحقيقه سنوات من الخدمة الشعبية الفعالة، والأداء السياسي المستمر، حيث مكنت انتخابات 2023 النيابية والبلدية من تحفيز الفاعلين السياسيين إلى ضبط وتجميع داعميهم، وإذكاء التنافس بينهم في ظل الأغلبية الداعمة للرئيس الغزواني.
أسلوب تسويق الإنجاز: يستخدم ولد الشيخ الغزواني في حملته كأي رئيس مترشح لمأمورية ثانية، حصيلة إنجازاته لكي يؤكد أن السنوات الخمس الماضية كانت حافلة بالأداء، رغم الصعوبات الشديدة التي استقبلتها خلال سنتي كوفيد الصعبة، وما أضافته من عقبات شديدة أمام الاقتصاد العالمي.
يقدم ولد الشيخ الغزواني في خطاباته، حصيلة الأداء في جانبه الوطني العام، قبل أن يخص كل ولاية بالحديث عما نفذ فيها من خدمات ومنشآت ومن برامج تنموية، ودون شك فإن البرامج المنفذة بالداخل، وخصوصا تلك التي استهدفت الفئات الهشة، وضحايا آثار الاسترقاق، عبر برامج تآزر، والتأمين الصحي لأكثر من 620 ألف مواطن، وكذا التوزيعات النقدية المباشرة، وبرامج التدخل المتعددة، مكنت من فتح قناة مباشرة بين النظام وشعبه، وأضافت معطى جديدا في تعاطي الدولة مع الجانب الاجتماعي.
ومن بين المرتكزات الأساسية لخطاب الإنجاز
خطاب الأمن: حيث استطاعت البلاد تحت قيادة ولد الشيخ الغزواني الحفاظ على استقرار نوعي، بل وتحولت إلى مأوى لمئات الآلاف من الفارين من حجيم الحرب في مالي التي لم يعد لها من جار آمن ومستقر تقريبا غير موريتانيا والجزائر.
وبمنطق رجل الأمن والدولة تتعدد رسائل خطاب الأمن إلى الداخل والخارج، وتأتي الإشارة إليها وتكررها وعيا بمتغيرات المحيط الإقليمي الذي بات أكثر احتكاما للسلاح لحل خلافاته التي تنتظم الأمن وصراع الأعراق وطموح الضباط الصغار، والرهانات المتناقضة للقوى الدولية
التآزر الوطني: عبر مختلف البرامج التي نفذتها قطاعات وزارية متعددة لصالح الفئات الهشة والأقل دخلا، أو عبر المدرسة الجمهورية، أو مسارات التشغيل المتعددة.
خطاب التهدئة السياسية: بعيدا عن السجال أو الانشغال بالردود، فإن ولد الشيخ الغزواني يمنح الحملة بعدا سياسيا للتهدئة أكثر من التناقض الذي تفترضه، يذكر في خطاباته بأن التهدئة خيار لا رجعة فيه، وبمساره العملي فإن كل منافذ الصراع مسدودة، حيث أن مبادئها إما أن تتعلق بنوعية الخطاب، وقد انتقلت مجمل الخطابات والبرامج التي ظلت المعارضة تطالب بها إلى صميم الخطاب والبرامج الرسمية المعتمدة والمنفذة، كما أن أكثر حاملي تلك الخطابات نضالا من أجلها ومصداقية في طرحها، هم اليوم في طليعة داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني
والجديد في أسلوب الرجل في تقديمه لإنجازاته أنه لا يمنها ولا يستكثرها، بل يعتبرها مستحقة لا منة فيها على الشعب، إذ أنجزت بعقول أبنائه وبأمواله، دون أن يكلف نفسه أيضا مقارنتها بما كان قبلها من وضع، وهو أسلوب جديد وثيق الارتباط بما قبله من المسؤولية الأخلاقية والموضوعية في الخطاب والبعد عن التجريح أو القابلية للاستفزاز.
وعود الحملة ..المشاريع الكبرى لموريتانيا
يقدم المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني من خلال وعوده أوراش عمل كبيرة، متناغمة مع الأسس التي أقامها للأداء السياسي والبناء التنموي خلال مأموريته الأولى، التي مكنت من تذليل عقبات متعددة، سواء في السجال السياسي، أو في استلال فتيل أزمة الوحدة الوطنية، أو التكيف الإيجابي مع وضعية كوفيد المؤلمة، أو إنقاذ البلاد من شبح الديون المتراكمة، أو وضع مسارات الحكامة الرشيدة من خلال المحاور الاقتصادية، وتعزيز الانتقال الرقمي، أو إطلاق مسار تكوين الشباب، وفتح القروض الميسرة، أو عبر ضبط الأمن والحدود.
وبحكم التأسيس والزمن فإن البلاد في تحول استيراتيجي مستمر قوامه:
وضعية السجال السياسي: حيث يتوقع قياسا على انتخابات 2019، أن تبدأ مشاوارت وحوارات سياسية تهدئ الأوضاع وتستل فتائل خطابات الحملة.
الآفاق التنموية: التي يمثلها بدأ تصدير الغاز، وتسارع وتيرة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وآفاق تنموية متعددة.
متغير فرص التشغيل المتعددة: التي ستفرضها الاكتتابات في قطاع الوظيفة العمومية، حيث سيبدأ بشكل معاكس سريان التقاعد بشكل كبير على آلاف الموظفين الذي خدموا طيلة عقود، وهو ما سيفتح فرصا غير مسبوقة، زيادة على آفاق التشغيل الاخرى في مختلف القطاعات.
وبناء على مختلف هذه العوامل يقدم المترشح 157 إجراء تطويريا للأداء العام، في محاور الحكامة والإصلاح السياسي والإداري، والاقتصاد القوي والمتنوع، وتنمية رأس المال البشري والنهوض بالشباب، والاندماج الاجتماعي ومكافحة الإقصاء، وبناء القدرات الذاتية القادرة على مواجهة التحولات الاستيراتيجية.
ولأن مستوى الإنجاز العالي خلال المأمورية الثانية، هو رسالة أخرى تؤكد أن وعود المأمورية الثانية، ستأخذ طريقها إلى الإنجاز، وبعفالية أكبر، خصوصا في ظل تعدد الموارد والقدرات، وترسخ التجربة، وعمق التحولات الوطنية والإقليمية.
ومن بين مختلف هذه العوامل والمحاور، يمكن القول إن نتائج انتخابات التاسع والعشرين القادمة، ستكون عنوان مرحلة جديدة من استقرار الإنجاز واستمرار الإخاء الوطني، أي أنها باختصار بداية مأمورية ثانية لخيار العبور الآمن