رغم الحرمة وشدة الوعيد ، في مراودة وإتيان المحصنات، إلا أن جدب الأرض -فيما يبدو - وجفاف الطبيعة، وسلطة الرقيب، قلبوا موازين القيم، و جعلوا من التغزل بالمحصنة مسرحا للترفيه، في هذا المنتبذ القصي!
فترى الشاعر - لئلا أقول الأديب - في مجتمع " المنارة والرباط" يسعى إلى الترويح والتفريج عن نفسه بالتغزل على المحصنة وذكر محاسنها، في مشهد من الانحطاط القيمي، تصطك منه المسامع!
وليت هذا التصرف المقيت اقتصر على التحسر والحزن على عدم الظفر بالمرغوب، كما فعل مجنون بني عامر :
قضاها لغيري وابتلاني بحبها.. فهلا بشيئ غير ليلى ابتلانيا
بل تعدى ذلك، إلى اعتراف الرجل بسفاهته، عندما يصطلي بلوعة فريسته "المحصنة"
فيحاول الانقضاض أو "اتكوبين " عليها، وينوح نواح "كابون" المتخصص في البكاء على مال الغير، حسب المتداول في الميتولوجيا الشعبية:
ابكيت اعل طب المغواس.. البكي ال ماه من دون
"والبكي اعل حيوان الناس.. ذاك يواسيه الا كابون"
كما تراه من شدة تعلقه بفريسته يتوسل بالصالحين لكي لايعود زوج "المحصنة" وكل أمانيه أن توافيه المنية، مستخدما في ذلك بعض المحسنات البديعية بعد غياب الوازع الديني، والمحسنات الأخلاقية :
يصالحين انتوطفين.. زايركم صيد اغلانه
لاعمرت منو كون عين.. اعشر وكفات اليان
حتى أنك تراه من فرط تعلقه بها يتصيد حركات "الصيد" وسكناته، ويراقب عن كثب صولاته، وصلواته٫ لكي يتسنى له الظفر بلقاء "الصيدة" :
صيد الريم المنها فزهيد.. مايتحيد تحياد ابعيد
كاس البارح عنها لمسيد.. صل لعش رمشه وامش
والليلة.. غلبو كاعد اوعيد .. لمسيد، ولا صل لعش!
ويبدو أنه لولا سلطة الرقيب الاجتماعي, وتوقير الشيب، لهم أحدهم باصطياد فريسته "المحصنة" عنوة ،حسب تعبيره :
ألا لو كان إكد حد .. يكلع من حد اعيالو
خالك شيباني هون بعد.. اعيالو ماتبكالو!!
ويرى بعض المتخصصين في المجال، أن عامل السرعة في الطواف ببيوت المحصنات قبل قدوم أزواجهن يعتبر عاملا فيصلا في ستر الجرم ، والتغطية عليه، وصرف نظر الزوج عن مايجري في بيته :
سابك ماعاد املازمك.. يعكلي صيد اغلانه
"حمي رجلك" مالازمك.. كون الحمد المولانا
وحتى عندما يهتك رداء الستر، وتنكشف الحجب، ويشيع الجرم في أرجاء الحي، ويتدخل الحكماء لتسوية الملف وديا، تراه يخلد الحادثة "شعرا" بدل دفنها والتكتم عليها، مقدما في مرافعته الدفاعية اعتذارا للمجني عليه، و معترفا له بجرمه ، ومضمرا له التوبة مع وقف التنفيذ :
تجلاج اعلي هون حد .. فمجي جيت لعيالو
سكريتو عنه ، غير بعد.. ثابت مايولالو!
ولكي لانظلم " الرجل" فقد كان لبعض "المحصنات" دور بارز في تكريس هذه الظاهرة السيئة من حيث مجاملة "غير الزوج" ، وإبداء الرغبة له، والتعلق به، وقد يصل بهن المطاف إلى مرحلة التبراع ، وتخليد تلك العواطف "الشاذة " في "أدبهن" حيث تقول إحداهن، وقد طاش عقلها ، وغاب عفافها ,عندما علمت بزواج "الصيد البديل" :
يلالي حت.. ذلمروح واعريس أنت ؟
وتشكو "أخرى" من حسن سلوك "الصيدة" وحفاظها على تماسك الأسرة :
اعيالو علة.. ماتغتاظ ولاتتخل!
وتذهب "الثالثة" إلى تمني زوال المحبة والمودة بين الزوجين :
ربي سعادو.. لامركتلو بيت اركادو
وقد ساهم المجتمع للأسف في انتشار هذا الصنف من "الأدب" بحجة الترفيه أحيانا ، أو لعمارة المجلس أحيانا أخرى، دون التفكير في خطورة هذه الظاهرة المشينة والتي تعتبر من أسوء المثالب في خزان أمجادنا، ومعدن أسرارنا، وكهف تراثنا (لغن الحساني)!
ولو تجنب "بعض" شعرائنا -لكيلا أعمم- إبراز هذه الظاهرة المقيتة في أشعارهم ومجالسهم، لظل التغزل بالمحصنات في قائمة "المستور" من العادات السيئة في المجتمع!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
("من أصاب شيئًا من هذه القاذورات (يعني: المعاصي) فليتب إلى الله، وليستتر بستر الله)"
وهذا يدل على أنه ينبغي للمؤمن أن يستتر بستر الله، وألا يفضح نفسه!
أما أن يجهر بجريرته في بلاد العلم والقيم الفاضلة، وينسج غزلياته الممنوعة في أشعاره المكشوفة ويضحك بها ندماءه السامرين، ويتداولها " الحكواتيون" على مر السنين، وتصدح بها حناجر الفنانين :
ولفي تمسح داري.. تطلص فيها لبخور
وان كاع اخباري.. مذاااالي كست انيور
فتلك لعمري من أعظم المنكرات!!
بقلم الأديب: محمد الأمين ولد أحمدي