الحلقة الخامسة
مديرة الديوان تجبر الحاكم على احترام اليمين الدستوري و الملك يوشح رئيس مجلس الشيوخ
لما أصدر الملك المرسوم القاضي بتعيين رئيس للجمهورية و أعضاء الحكومة و شكلت مديرة الديوان هيئة المحكمة و وضعت الحاكم السابق تحت الإقامة الجبرية و ظن الجميع أن الحدث التاريخي قد أسدل عليه الستار،نادت مديرة الديوان عبر مكبرات الصوت لجميع الوزراء الذين سبق أن تولوا حقيبة الاقتصاد و التنمية، فلم يجبها أحد.
فغضب الملك و ضرب على سقف مبنى مجلس الشيوخ بحافره،فثقبه و قام بحركات بهلوانية و جعل مؤخرته في الأعلى و قابل عينه مع الثقب فإذا بمجلس الشيوخ يناقش قانون الميزانية و الوزراء الثلاثة و رئيس الحزب الحاكم و مدير اسنيم السابق،يجتمعون في مكتب رئيس المجلس و يتبادلون أشياء على شكل رزم، فهز العفريت رأسه و غمز بعينه اليمنى و ارتفع بشكل ملفت ثم استدار في الهواء و قابل مؤخرته مع الثقب و أطلق البخار،تسربت رائحة الغاز داخل المبنى و توقفت المبردات و ظن الشيوخ أن التسريب ناجم عن عطب و خشوا أن يكون بداية حريق،فانتشر الرعب و بدء التدافع و خرج الجميع.
لم يبق في المبنى سوى جماعة المكتب و الأستاذ يحيى الذي كان في مكتبه يعاني من صداع شديد بعد مقابلة سفوس الأخيرة.لما تأكدت مديرة الديوان أن المبنى خلا من كافة العمال و الشيوخ نزلت مع رئيس الحرس و الأبناء و فتشوا بابا بابا حتى عثروا على الجماعة التي لم تشعر بالحدث و لم يتسرب إليها الغاز.ثم صعد أحد الأبناء و دل الملك بدقة على ما يقابل المكتب من سطح المبنى فثقبه و أطلق منه وابلا من الروث الساخن المعزز بالبخار و الدخان و أغلقت عليهم مديرة الديوان باب المكتب.ثم ذهب كرفوس و عاد بالأستاذ و بعد دقائق معدودات فتحت الباب و كان الشباب في حالة يرثى لها و أمرت الأستاذ بالدخول عليهم و لما دخل وجدهم شاخصين على المقاعد و بينهم ورقة كتب عليها
للآخرين أخذ الأستاذ 5% لكل وزير 10 % و للحاكم و 50%
أخذ الورقة و شمها و لمها،ثم نادى الجماعة كلا باسمه. كان رئيس مجلس الشيوخ يعض روثة و وزير الاقتصاد و التنمية الثاني تلتصق واحدة بين شفته و أنفه و الآخرون يحيط الروث بأعناقهم و يغطي رقابهم حتى الآذان إلا رئيس الحزب الحاكم فكان يمسك بكل يد عشرة روثات و جيب فضفاضته مليء إلى حدود أنفه مع حروق طفيفة هنا و هناك.
استيقظت الجماعة بعد وقت لكنها أصيبت بالذهول من شدة كدمات الروث و رائحة الغاز و أول من فتح عينه من بينهم كان وزير الاقتصاد و التنمية الثاني و بدلا من تفحص حاله و حال الجماعة لوى شفته السفلى و سأل الأستاذ قائلا : ألم تر ورقة كانت هنا ؟ فأجابه الأستاذ " امسح روث الحمير عن وجهك و انظر إلى المرآة ".سمعت سفوس تبادل الحديث و فتحت الباب و دخلت قال لها الأستاذ : أنا محمد يحيى ابن خالة مارا دونا و الجماعة قد تلطخت و قدمي عالقان في الزبل. فواحد من الجماعة فتح عينه و الآخرون مازالوا كما ترين.انفجرت سفوس ضحكا و خرت و أغلقت الباب.فأعاد الوزير طرح السؤال مرة أخرى : ألم تر ورقة كانت هنا، فالتقطت أذن رئيس الحزب الحاكم عبارة "ورقة " و أراد الاستقامة على المقعد لكنه لم يستطع بسبب انشغال يديه و شدة ضغط الروث على عنقه و رغم ذلك قال : "حافظوا على الورقة إنها هي أهم شيء" فسمع رئيس مجلس الشيوخ بدوره عبارة "الورقة" ففتح عينيه الاثنتين و وقف و كأنه لم يصب و أراد أن يقول: أين الورقة؟:فقال أي أي أي ... لأن روثة العفريت كانت تحشو فمه.و في تلك الأثناء كان الوزير الثالث و الأخير طريح الفراش لأنه يعرف سفوس و أبناءها و وجهها المشوه خلقيا و قد سبق أن لقنته درسا في الماضي.و بعد عناء كبير أيقظ الأستاذ جماعة المكتب فنظر كل واحد منهم إلى الآخر و ضحك لأن أيا منهم لا يرى سوى الآخر. فقال لهم الأستاذ لو نظر كل واحد منكم في المرآة لما سخر من صاحبه .و على أية حال فإن مديرة الديوان عند الباب و عندما تدخل قولوا لها إنكم فريق كرة قدم.و إنك أنت تلعب مع فريق طنجة و أنت مع فريق أطار وأنت مع فريق المذرذرة و أنت مع فريق آغشوركيت و أنت مع فريق تامورت أنعاج و أنت مع فريق مال و أنكم جميعكم أبناء عمومة كريستيانو رونالدو. و فجأة دخلت مديرة الديوان و نهرتهم و قالت:اخرجوا أيها الفتية المدللون يريدكم الملك شمهروش،قالوا لها نحن فريق كرة قدم و أبناء عمومة كريستيانو رونالدو قالت : بل أنتم نخبة صممها الحاكم على مزاجه و أراد أن تكونوا في الظاهر أطرا أكفاء و في الباطن صبية تستغلون لخدمة مصالحه الضيقة.ثم صاحت و تجردت و رمت بثيابها على الأستاذ و نادت باسم الأول. لما وقف بجانبها وضعت يدها على أنفها و قالت له: "إنني أشتم رائحة الدجاج فهل لك مطعم ؟ فأجابها بنعم و أضاف : نحن أبناء زماننا و الحاكم كذلك ابن زمنه،فابتسمت و أمرت الأستاذ بجلب الثياب فنظر إليها نظرة تفحص و اشمئز و قال : "يا تدرت أوجفت البكمة سلطها على الجنرال" و مد يده بالثياب. تتالى القوم و خرجوا واحدا تلو الآخر حتى جاء دور الأستاذ فوضعت ساقها في المدخل و قالت له:سلمني الورقة أنا أعرف أنك محام و اعتبر من الآن أنها فرصة ضائعة لسببين: أولهما كون الحاكم قد سقط و ثانيهما كون الجماعة لن يبقى في جيوبهم ما يدفعونه في المقابل. و ركلته و قالت : إتبع الجماعة و كن لهم حارس مرمى.
مثلت الجماعة أمام شمهروش في وضع لا يليق برجال الاقتصاد و المال. و قال الملك لكرفوس،ضع لهؤلاء مقاعد عند مؤخرتي.فنظر رئيس الحزب الحاكم إلى جميع الاتجاهات فلم ير سوى أطر و جماهير حزبه فانتهز الفرصة و تقدم إلى حافة المنصة و قال:أيها المناضلون،أيتها المناضلات لا تستمعوا لكلام معارضة فاتها القطار و أراد أن يستمر فوقفت مديرة الديوان بجانبه و قالت:إن من تحدثهم كانوا مع ولد الطايع قبلكم و دعموا ولد الشيخ عبد الله بعده و الآن أعلنوا ولاءهم لشمهروش و لا تعول على الخطابات الفارغة أيها الشاب السمين.ثم أخذت بيده و قابلته مع مؤخرة العفريت و أردفت:ستكون عبرة للآخرين. ثم أشارت لشمهروش فأطلق عمود الدخان و بعد وقت وجيز انقشعت الغمامة فإذا برئيس الحزب يمد يديه إلى السماء و يقول: " يا جدي شمس الدين ابن يحيى القلقمي،أقسم أنني سأعتزل السياسة و سأرد المال الذي دخل من السودانيين و الصيد و اسنيم. و أعلن أمامكم ولائي للملك"وبكى.
ثم أشار رئيس الحرس للجماعة بالتوجه نحو المؤخرة فبرز وزير الاقتصاد الثاني و قال:أقسم أنني سيرت الوزارة تسييرا حسنا لكنه على نحو ما يفعل لللحم،حيث أخذت سكينا و قطعت الوزارة إلى جزيئات لحمايتها من التعفن و هو أسلوب متطور جدا جربناه في مستشفى الانكولوجيا.و لم أكن أبدا سوى منفذ لأوامر الحاكم حتى أنني وقعت على مبالغ طائلة دون النظرإلى وجهتها و لا أسباب صرفها.
و أنا بريء و المذنب الأول هو الحاكم السابق.
كان يلي الوزير في الطابور رئيس مجلس الشيوخ و قال:أنا منتخب لا أسير الأموال العمومية و القانون لا يمنعني من الأكل و كل ما في الأمر أنني أنا و بعض أفراد جماعتي الأهلية حصلنا على مكاسب كثيرة نتيجة لاستقلال النفوذ و من تولى شيئا ذاقه. و لست مع النظام السابق و لا اللاحق،إنني مع جيبي فقط.و نظر إلى الملك و قال : إن رئيس حزب الوئام حصل على امتيازات كثيرة و من بينها رخص ل "موكا" كان يروج إحداها خلال الأسبوع الماضي بمبلغ قدره 360 مليون أوقية. و يجب إحضاره مع عمدة روصو لينضما إلى جماعة المكتب.فأجابه الملك لقد كنت صريحا معي و أمنحك وسام البطل لأنك قفزت من مالك مطعم إلى رئيس مجلس شيوخ للجمهورية فاذهب إنك طليق.
تقدم مدير اسنيم، وزير المعادن سابقا و التفت إلى اليمين فرأى صديقه، رئيس الحزب الحاكم ينحني و ينظف ساقيه عن الزبل.فاستهل قائلا:أيها الملك أنا كنت مجرد رئيس مصلحة في شركة اسنيم و شاء القدر أنني لففت قطعة غيار و أقالوني بسببها،ثم بعد ذلك جاء النظام الحالي و رمى مصيدته و كنت ضمن ما جاءت به. و لم أكن يوما من الأيام مسؤولا عن أي شيئ، بل كنت منفذا للأوامر فقط.و أتذكر ذات مرة أن الحاكم الحالي أجبرني على دفع مبلغ 30 مليار أوقية لصالح شركة النجاح.و شكلت تلك الغلطة مسمار نعش الشركة.و أصرح أمامكم يا جلالة الملك أن الشركة قد انتهت و عمالها في الوقت الحالي يعيشون وضعية كارثية. و سبب إفلاسها لا صلة له بتدني أسعار الحديد بل سوء التسيير و الزبونية. و أرجوكم يا شمهروش أن تمنحوني وسام البطل.فأجابه شمهروش : لم أر وجها للمقارنة أيها المدير بين وظيفة عضو في مجلس الشيوخ ومسير مؤسسة عمومية.ضعوه عند المؤخرة و اجعلوا معه وزير الاقتصاد و التنمية الثاني. ثم أطلق عليهم البخار. و البخار هذا، أخف رائحة من الدخان لكن الوزراء قد أنهكوا بسبب النكبة الأولى.
كان السيد وزير التنمية و الاقتصاد الأول ينظر إلى زملائه و هم يتلقون عقاب الملك و كان يكرر" يا الشيخ سيد احمد البكاي... يا الشيخ سيد احمد البكاي "و يختفي وراء بعض وجهاء الحزب الحاكم، حينها نادت مديرة الديوان رئيس حزب الوئام فنسي الملك الوزير و نجى بأعجوبة قد يكون سببها بركة الولي.
لما انتهت جماعة المكتب و أصيب من أصيب و نجا من نجا،هوت مديرة الديوان برأسها على الحاكم السابق و قالت له: هل لك من تعقيب؟ فوقف و نظر إلى بطانته و قال: لجماعة المكتب لما اصفرت ألوانكم و نمت أجسامكم و امتلأت بطونكم،نسيتم الأيام الخوالي و تنكرتم لجميلي أيها الحثالة ؟ أقسم أنني إذا خرجت من محنتي هذه سأصلبكم.قالت العفريتة أيها الحاكم السابق لما ذكرت القسم فقل ما سأمليه عليك و إلا ... و فتحت فمها و قابلته و وضعت يديها على منكبيه و أردفت:أيها الحاكم إن كنت لا تريد خلط الاثنين(ماء زمزم و ويتابيكس) فالتزم باليمين، ففاجأها بالقول و هو يرتعد :
" أقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية و شروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و 28 من هذا الدستور".
و أجبرته بعد قراءة اليمين على وضع قدمه الأيسر تحت النص كبصمة.و قالت له فعلت هذا لأنني أخشى أن تحاولوا تغيير بصمة أصبع اليد أو تحرفوها عن طريق مدير الوثائق المؤمنة.
كانت حكومة مسعود ولد بلخير تحت رئاسة أحمد ولد داداه تلتئم في قاعة الاجتماعات بالقصر الرمادي و تناقش سبل إفشال زيارة الحوض الشرقي و كان شمهروش قد بدأ التحرك باتجاه مبنى وزارة الداخلية حيث الولاة و الحكام و العمد.
من وحي الخيال...يتواصل
محمد المختار ولد احمين أعمر
العمدة السابق لأوجفت