لي حنين لا ينقضي إلى الرعاة و أحاديثهم فأيام طفولتي كنت أهش على غنم الأهل متسلقا شعاب الوادي حتى إذا انتصف النهار غلبني ضعفي و حاجتي إلى الظل فعدت إلى المساكن و لذلك لا يمكن اعتباري راعيا جيدا بل أنا نصف راع في أحسن الحالات .
و كم راقت لي أحاديث صويحبي إسلم عن تصديه للذئب و تخليصه شويهات الأهالي من سطوته الجارفة .
كل صباح تساق إلى إسلم الأغنام فتتجمع المئات لينطلق الفتى بها إلى ما وراء الجبل .
كان ضعيف البنية قليل الكلام لكنه صبور و مسؤول .
يعلق على منكبه زاده و ليس إلا تمرات و ماء يسيرا سيستهلكه بعقلانية طول اليوم .
لا أنسى أحذيته المميزة الشكل و قد عبث بها الاهتراء .
لم يلاقني إلا باسما فكلانا مرتاح لصاحبه و في الليل كنا مع الرفاق نلعب و نتصارع .
صحيح أن كل إخوته أصحابي لكنه بالنسبة لي الأغلى و الأقرب فقد ظل إلى عهد قريب راعيا بينما تعلم أشقاؤه السياقة و قيل لي إن أحدهم سائق لجماعة النفط .
يروق لي من الأدب ما يتغلق بالرعاة أو يجاملهم على الأقل و لذلك أعجبني عنوان مدونة أخي و صديق حنفي دهاه ''أحاديث الرعاة '' Hanevy Dahah.
أرى في الرعاة نموذجا لصنع الحياة و عزوفا عن آثامها و انشغالا بجانبها النافع .
و كم تعاطفت مع تلك الأعرابية التي ضاقت ذرعا بقصر الخليفة على شاطئ دجلة و خنقتها المدنية لتحن إلى خييمات نجد و أحاديث الرعاة كان الله في عونها و هي تنتحب و تقول :
وما ذنب أعرابية قذفت بها *** صروف النوى من حيث لم تك ظنت
تمنت أحاديث الرعاة وخيمة *** بنجد فلم يقدر لها ما تمنت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه *** وبرد حصاه آخر الليل حنت
لها أنة عند العشاء وأنة *** سحيرًا ولولا أنَّتاها لجُنَّت