تبعات دهشة أول حل للجمعية الوطنية
أولا: في اختيار تاريخي الحل واستدعاء هيئة الناخبين: -
فصل بين حل الجمعية الوطنية بتاريخ: 13 مارس وإجراء الانتخابات في: 13 مايو أكثر من ستين (60) يوما: -
ف: من مارس 18 يوما + 30 يوما هي شهر إبريل + 12 يوما من مايو = 60 يوما؛
فيوافق يوم 13 مايو على ذلك اليوم 61 من صدور مرسوم حل الجمعية الوطنية!
وبناء عليه؛ تكون الانتخابات التشريعية قد تم إجراؤها خارج الآجال الدستورية المحددة في صريح نص المادة (31/جديدة) من دستور 20 يوليو المعاد العمل به والمعدل:
"... تتم الانتخابات العامة ثلاثين (30) يوما على الأقل وستين (60) يوما على الأكثر بعد حل الجمعية الوطنية..."
الآجال وجدت لتحترم، وتحقق التحصين مع فسحة أيما الأجلين وقع عليه الاختيار لا تترك مبررا للإعذار إن كان له من محل أصلا. وعدم مراعاة الآجال معلوم النتيجة والأثر...
خارج ذلك، فإن حل الجمعية الوطنية بغية التبكير بالانتخابات التشريعية تفاديا لإجرائها في موسم الأمطار والعطل المدرسية، ليس الوسيلة الناجعة لضمان اختيار الفترة المناسبة لإجراء الانتخابات، لأن طريق إلى ذلك يكون من خلال تعديل ومراجعة النصوص المتضمنة للآجال والمواقيت المخصصة لها. إجراء الحل خيار تكتيكي لهذه المرة فقط، وستمس تعقيدات تبعاته نظام الدورات البرلمانية والعمل البرلماني مع نهاية مأمورية هذه التشكيلة فى 2028.
استراتيجيا قد يكون اعتماد نظام الدورة البرلمانية الواحدة المدخل للتحكم في اختيار المواقيت الأنسب للاستحقاقات النيابية وسير دواليب الدولة.
ثانيا- بقاء الحكومة رغم حل الجمعية الوطنية وبعد انتخاب أخرى:
في ظل ما حصلت عليه الحكومة الحالية من ثقة الجمعية الوطنية المنحلة وارتهانها لهذه الثقة في وجودها أصلا واستمرارها لاحقا، كان من الطبيعي أن يؤثر حل الجمعية الوطنية على وضعية تلك الحكومة، لولا أن الأمر مر وكأن شيئا لم يكن، بل واستمر الحال كما هو حتى بعد انتخاب جمعية وطنية جديدة.
استمرارية الحكومة أو القول بعرفية استقالتها يقف في التأسيس عند غياب النص الصريح على خلاف ذلك. أما القول بتأسيس إلزامية هذه الاستقالة فيشهد له أنه يمثل:
1- إعمالا لإقرار وتكريس ارتباط استمرار الحكومة ببقاء جهة تعيينها: ويظهر ذلك من خلال: -
ا- وجوب استقالة الوزير الأول وأعضاء الحكومة في حالة شغور أو مانع اعتبره المجلس الدستوري نهائيا، وترتب على أثره تولي رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس المجلس الدستوري نيابة رئيس الجمهورية في تسيير الشؤون الجارية (المادة 40 /جديدة).
ب- بالضرورة المنطقية، في ظل إلزامية مرور الحكومة ب "التنصيب البرلماني " تستوجب حالة "الحل " باعتبارها تنتج "فعليا" شغورا أو مانعا نهائيا لاستمرار عمل الجمعية الوطنية، ما يستوجب استقالة الوزير الأول وأعضاء الحكومة لغياب من منحهم جزء من الثقة.
أما مبرر قصر دورهم على تسيير الشؤون الجارية، فلكون حكومة تغيبت الجهة المسئولة أمامها لا يمكن لدورها أن يتجاوز مجرد تصريف الأعمال.
2- مراعاة للتمييز بين التعريض الطوعي والإلزامي لمسئولية الحكومة:
ا- التعريض الطوعي: وهو ذلك الذي يأتي من الوزير الأول بمبادرة ذاتية بعد مداولة مجلس الوزراء عند الاقتضاء باستخدام مسئولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية حول برنامج أو بيان سياسي عام (صيغة المادة 74 /دستور 20 يوليو) وهو الذي يسمح بالقول بعرفية استقالة الحكومة أو ما يطلق عليه:" استقالة المجاملة -démission de courtoisie".
عدم وجوبية الاستقالة المعبر عنه هنا بعرفيتها، مرده كون طرح مسئولية الحكومة ليس على الوجوب هو الآخر، فقبل التعديل الذي حمله القانون الدستوري: 2012-015، بتاريخ :20 مارس 2012، لم يكن هنالك ما يلزم الحكومة باستخدام مسئوليتها أمام البرلمان؛ حيث كان نص المادة 42:"يحدد الوزير الأول سياسة الحكومة تحت إشراف رئيس الجمهورية.
يوزع المهام بين الوزراء.
يدير وينسق نشاط الحكومة."
ب- التعريض الإلزامي "التنصيب البرلماني": بموجب التعديل الذي حمله القانون الدستوري 2012-015، تم إلغاء أحكام المادة 42 وأحلت محلها أحكام (المادة 42/جديدة):"... يقدم الوزير الأول برنامجه أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيين الحكومة ويلتزم بمسئولية الحكومة عن هذا البرنامج وفقا لشروط المبينة في المادتين 74 و75..." وهكذا أصبحت ثقة البرلمان شرطا لتثبيت تعيين حكومة جديدة، ومنعه لها يصيرها وكأنها لم توجد أصلا.
قبل هذا التعديل، وحدها حكومة انقلاب 06-08-2008 التى سبقت الحكومة التوافقية المنبثقة عن اتفاق دكار في الرابع من يونيو2009 من استخدم وزيرها الأول المسؤولية السياسية لحكومته أمام البرلمان الذي منحها الثقة.
صحيح أن مقتضيات الدستور لما تواءم بعد مع التجديد الذي حمله تعديل المادة 42؛ بما يبرز المكانة الجديدة للبرلمان والحكومة، بل إن إنفاذ هذا التعديل الذي ورد في المادة 7 من القانون الدستوري رقم 2012-015 قد تأخر إلى 22 نوفمبر 2018 لكون المادة 14 من ذلك القانون وقتت لدخول بعض مقتضياته، بما فيها المادة 42 (جديدة)، حيز التنفيذ بإعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة للتجديد الجزئي أو الكلي للغرفتين البرلمانيتين، وهي الانتخابات التي تأخر إجراؤها إلى التاريخ المتقدم ذكره.
في جميع الأحوال، لا تسمح مقتضيات التعديل ولا روحه بالاحتجاج بمجرد أن: استقالة الحكومة عند حل الجمعية لم ترد ضمن الحالات التى يعتبر الدستور الحكومة فيها في حكم المستقيلة، إلا إذا كان دافع الاحتجاج هو الدفع نحو التعجيل بدسترة هذه المقتضيات سبيلا لتحقيق غاية التعديل في الرفع من مكانة مؤسسة البرلمان والأحزاب السياسية والحكومة.
على ذلك يغدو توصيف استقالة الحكومة إثر حل الجمعية الوطنية بالعرفية في ظل تكريس الدستور للتنصيب البرلماني توصيفا تحكميا، أما القول به وقد انتخب برلمان جديد، ففيه خلط بين التواتر على التزام "الاستقالة " تطبيقا للقانون، والتواتر طواعية على سلوك "الاستقالة " حتى استقر ممارسة متعينة؛ وإن التدليل برفض استقالة الحكومة في فرنسا هو دليل صحة ذلك التمييز، حيث لا نص يلزم الحكومة هناك ،وعندنا قبل التعديل ، عند تعيينها بالمرور بالتنصيب البرلماني وهي مدينة في وجودها لرئيس الجمهورية وحده، ومرتهنة كذلك في بقائها لإرادته دون غيره (يعينها –يقيلها).
ثالثا- انعقاد الجمعية الوطنية الجديدة وطبيعة اجتماعها: -
1-مسألة الآجال: حددت (المادة 31/جديدة /ف2) من الدستور تاريخ التئام الجمعية الوطنية المنتخبة عقب حل سابقتها على سبيل الوجوب بالنص على أنه: "تجتمع الجمعية الوطنية وجوبا خمسة عشر (15) يوما بعد انتخابها..."،
جاء على صفحة الوكالة الموريتانية للأنباء (1:08 مساءً | 9 يونيو 2023) أن رئاسة الجمهورية أعلنت أنه:
"تستدعى الجمعية الوطنية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية يومي 13 و27 مايو 2023 للاجتماع في دورة استثنائية يوم الإثنين الموافق 19 يونيو 2023 على تمام الساعة العاشرة (10) صباحا لانتخاب رئيس وأعضاء مكتبها."
مرسوم الاستدعاء تحدث عن تاريخ إجراء الانتخابات وأهمل عمدا أو سهوا تاريخ إعلان نتائجها الذي هو المرجعية بحسب النص الدستوري في تحديد تاريخ الاجتماع موضوع الاستدعاء.
أعلنت النتائج من طرف اللجنة الانتخابية يوم 28 مايو، ما يفترض أن يرتب أن يوافق انعقاد اجتماع الجمعية الوطنية، الوجوبي 15 يوما بعد انتخابها، يوم 13 وليس 19يونيو: -
ف:15 يوما بعد إعلان النتائج يوم 28 تأتي من حاصل: (3 أيام من شهر مايو 29-30-31 + 12 من يونيو = 13 يونيو).
خلو مرسوم استدعاء دورة استثنائية للجمعية الوطنية، يوم الإثنين 19 يونيو 2023 في نسخته المتداولة والمنشورة على موقع الوكالة الموريتانية للأنباء، من أي تصديرات يمنع معرفة الأساس القانوني الذي استند عليه المرسوم في زيادة أسبوع فوق الأجل الدستوري للاجتماع الوجوبي للجمعية الوطنية بعد انتخابها.
وتلمس التأسيس لتلك الزيادة بما تم تداوله شفاهة من وجود رأي أو قراءة! للمجلس الدستوري يسمح بذلك، لا يبدو كافيا لأكثر من اعتبار:
-الجهة المختصة بإعلان نتائج انتخاب النواب تحديدا هي "اللجنة الانتخابية" بحسب (الفقرة الأخيرة /المادة 2/ القانون النظامي رقم:2012-27 الصادر بتاريخ 12: إبريل 2012 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات)
- دستوريا: المجلس الدستوري مختص بإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، كما ويكلف بالسهر على صحتها والنظر في الدعاوى المتعلقة بها (المادة 83).
وهو مختص كذلك بإعلان نتائج الاستفتاء ومعني بالسهر على صحة عملياته (المادة 85)
- مسئولية المجلس الدستوري في انتخاب النواب قد حددت بمقتضى (المادة 84/جديدة) ب: "يبت المجلس الدستوري في حالة نزاع متعلق بصحة انتخاب النواب ".
ولأنه ليس لتلك الطعون من أثر توقيفي، لا يبقى من مبرر لعلاقة أو تعلق لإعلان نتائج انتخابات النواب بالمجلس الدستوري.
وعليه، وإلى حين الاستظهار بالأساس القانوني للمخالفة الصريحة للأجل الدستوري لانعقاد اجتماع الجمعية الوطنية خمسة عشر (15) يوما بعد انتخابها، يكون المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية بدعوة الجمعية الوطنية للاجتماع في دورة استثنائية يوم الإثنين الموافق 19 يونيو 2023 على تمام الساعة العاشرة (10) صباحا، قد وقع مخالفا للدستور.
2-طبيعة الدورة البرلمانية:
يجمع اجتماع الجمعية الوطنية هذه المرة بين وقوعه داخل الفترة المحددة للدورة العادية الثانية للبرلمان، التي تفتتح في أول يوم عمل من شهر إبريل ولمدة أربعة أشهر؛ أي حتى 31 يوليو. واستحالة الدعوة إليه من رئيس الجمعية الوطنية الذي لما يعرف بعد.
وعلى اعتبار أن الجمعية الوطنية لا تجتمع بالتداعي، بل بموجب مرسوم يصدره رئيس الجمهورية، بالنسبة للدورات فوق العادة (المادة 53/ دستور). وبقرار من رئيس الجمعية الوطنية (المادة 55/ النظام الداخلي للجمعية الوطنية) للدورتين العاديتين، يكون توصيف الدورة هو أنها:
من حيث الأساس: دورة بحكم القانون (المادة 54/ النظام الداخلي للجمعية الوطنية). ومن حيث الطبيعة: تعد عادية بحكم التئامها في فترات الدورتين العاديتين (المادة 31/دستور-54/ نظام داخلي)، تماما كما أنها كانت لتكون استثنائية لو أنها انعقدت خارجهما.
أما بالنسبة لآلية استدعائها، فحكمها بحسب نص النظام الداخلي للجمعية الوطنية في (المادة 55) منه هو حكم الدورات العادية التي تلي انتخاب جمعية وطنية جديدة، تستدعى بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية بدعوة الجمعية للانعقاد لانتخاب رئيسها وأعضاء هيئاتها ؛وليس استدعاء للجمعية لدورة ،ولذلك لا حاجة لمرسوم باختتام هذه الدورة "العادية"؛ لكون مبرر اللجوء للافتتاح بمرسوم رئاسي قد زال بعد انتخاب رئيس للجمعية الوطنية، وكون هذا الرئيس هو من أوكل له القانون اختتام الدورات البرلمانية العادية.
وقع مرسوم استدعاء الجمعية الوطنية المنتخبة للاجتماع في خطأ مركب عندما:
-عدل عن استخدام مصطلح "دورة فوق العادة" الذي هو التسمية الدستورية للدورات غير العادية.
-وعندما أعطى لاجتماع البرلمان في فترة دورة عادية صفة "دورة الاستثنائية"
-حين تجاوز دعوة الجمعية الوطنية للاجتماع إلى الدعوة لدورة سارية فعلا!
فوق ما تقدم سيطرح احتساب هذه الدورة البرلمانية من 42 يوما :11يوما من شهر يونيو + 31 يوما شهر يوليو، إشكالات أعمق من قبيل: احتسابها دورة أولى كاملة في تاريخ الجمعية الوطنية المنتخبة في 28 مايو، وفى ذلك ما يخالف المعتمد في تحديد مدة الدورة العادية بأربعة أشهر! أو انتظار دورة أكتوبر التى أصلا هى الدورة العادية الأولى لاحتساب بداية عدد الدورات العادية للمأمورية البرلمانية الحالية، ما يعنى استفادة التشكيلة البرلمانية فوق الدورات العادية العشر لانتدابها من دورة إضافية من 42 يوما!
رابعا-رغبة الوزراء النواب في التصويت: -
رغم حسم الحزب الحاكم لفوز من يقدمه لرئاسة الجمعية الوطنية، وتحكمه التام في تحديد تشكيلات باقي هيئات الجمعية الوطنية، يرغب الوزراء المنتخبون عادة في نيل شرف المشاركة في انتخاب رئيس وأعضاء هيئات الهيئة التشريعية التي يهيمن عليها بالمطلق فصيلهم السياسي.
لكن تلك الرغبة تصطدم بما نصت عليه المادة 44 من الدستور من أنه: " تتعارض وظائف أعضاء الحكومة وممارسة كل انتداب برلماني ..."
ونص المادة 12 من القانون 91-028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر1991 المعدل، والمتضمن للقانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب في الجمعية الوطنية على:
"... ويبدأ نفاذ التعارض بين الانتداب البرلماني ووظائف عضو الحكومة المنصوص عليه في المادة 44 من الدستور في أجل شهر اعتبارا من التعيين عضوا في الحكومة. ولا يجوز طيلة هذا الأجل للنائب أو الشيخ العضو في الحكومة أن يشارك في أي اقتراع...".
ففى ظل التعارض بين وظائف أعضاء الحكومة وممارسة كل انتداب برلماني، يعنى مجرد تقدم وزير للترشح للانتداب البرلماني وفوزه بتزكية الناخبين، أنه صراحة قد تخلى وبإرادته عن عضوية الحكومة،
أما حين يتعلق الأمر بتعيين نائب عضوا فى الحكومة فإن إنفاذ إرادة من اتخذ قرار التعيين يتوقف على إرادة النائب قبولا أو رفضا؛
ولذلك تتضح -بالمنطق- أهمية إعطاء فترة زمنية لاستجلاء خيار النائب المستوزر، بخلاف الوزير المترشح للوظيفة النيابية حيث مجرد ترشحه كاف للتعبير عن خياره.
وإذا، ليس لمن انتخب من أعضاء الحكومة نائبا أن يشارك في انتخاب رئيس وأعضاء هيئات الجمعية الوطنية ...