هذه المصطلحات تحمل في طياتها و دلالاتها شحنة تفاعلية من مركبات مختلفة لا تكاد تنسجم إلا في قاموسها، و معجمها الدلالي، فهي تَشِي بنوع من التفاؤل الحَذِر، و التنظير القَلِق الذي يخفي وراءه توقعا، و استشرافا توجسيا لِمَا يمكن أن تؤُول إليه حالة الإنسجام و التآلف بين أفراد الجماعة أو المكونات الإثنية أو الشرائحية أو الطائفية....
لسبب أو لآخر يحدث ذلك التوجس، و يعلو منسوبه أكثر في فترة مواسم الرهانات، و على حلبات التنافس، كالذي يحدث في أيامنا هذه. غير أنك تقف مَشْدُوها حين تتكسَّر هذه الحالة أمام واقع كرَْسه الوعي و الثقافة المَكِينَة، و الإخلاص الانتمائي للمكان، و التشارك الجماعي في كل مناحي الحياة، و الحرص الواعي على عدم الاقصاء.
جميل أن ترى ذلك بأم عينك، و لو أنك كنت تسمعه، فليس من رأى كمن سمع. فلقد رأيتني بعد أن شاءت الأقدار أن أكون واحدا من مجموعة ألْقَتْ بها ثقة حزب الإنصاف إلى ولاية تگانت، و اختارت لهذه المجموعة منسقا جهويا هو المستشار الرئاسي أحمد سالم محمد فاضل و هو الذي أَلِف هذه الولاية و ألفَتْه فما أدري أأيهما منحة للآخر، و سعدا من سُعُود الزمان النادرة، فكأنما خُلقتْ هَوًى له و خُلِق هو الآخر هوًى لها!!!!!
سمعته قبل أن نصل إلى هذه الولاية الجوهرة يتحدث عن فرادة أهلها و تميزهم في الثقافة و الذوق العام، و التجانس و الإنسجام اللامحدود بين أفرادها و مكوناتها... و كان صِدْقا ما سمعته حين نزلنا إلى ميدان التفاعل مع مختلف فسيفساء ساكنتها سواء على المستوى النخبوي أو القاعدة الشعبية العريضة، فما وجدت كأهلها أهلا، و لا كمثقفيها مَثَلا، و لا كساستها و سياسييها جدًّا و عملا.... العَيَّار الوحيد الذي يتفاوت الناس حسبه هو الكفاءة و الإخلاص للولاية و الوطن، و لا عجب إن حدَّثوك إجماعا عن وفاء هذا النائب، أو إخلاص هذا العمدة، أو نظافة كف رئيس هذه الجهة، أو كفاءة هذه المرشحة، أو تفاني هذا الشاب في خدمة ولايته أو وطنه....
إن مثل ولاية تگانت كمثل الأم الرَّؤُوم تُرَبِّي أبناءها أحسن تربية حتى إذا تقدمت بها السن اجتمعوا على حملها فلا هذا يَكِلُها إلى هذا، و لا هذا يُسْلِمُها لهذا ...
أستشعر و أنا أسير في أزقة هذه المدينة بين حَوَارِيها أصالة المكان و عَبَق التاريخ، و فرادة الانتماء. بل كأنني أسمع من ذات المكان عبر الأثير :
لا يَسْتَقِلُّ ذوُو الأضغانِ حَرْبَهُمُ ** و لا يَبِينُ في عِيدانِهِمْ خَوَرُ
هذه الولاية صمَّام أمان، و شاهدُ صدق على التلاحم و التعاون البنّاء، بل هي صخرة تتحطّم عليها كل دعوات الاقصائيين، و العنصريين، و المتربصين بالوحدة و السلم الاجتماعي، و التعايش السلمي لهذا الوطن العزيز....
لا أدري حين أودِّع بلد الهضبة العالية علو همة أهلها هل سأنشد مع ابن زريق البغدادي قوله :
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي
صَفوُ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ