في 2012، كنت في حوار صحفي مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وكان ملف تسليم رئيس المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي حديث الساعة، في ظل معلومات تفيد بأن الحكومة تنوي تسليمه إلى ليبيا.
باعت موريتانيا السنوسي للحكومة الليبية مقابل 200 مليون دينار ليبي
كان من البديهي أن يطرح أي صحافي السؤال الذي وجهته للرئيس ولد عبد العزيز حول نية السلطات الموريتانية تسليم السنوسي إلى ليبيا التي تعصف بها الاضطرابات؛ فبادر ولد عبد العزيز بالنفي القاطع لأسباب أخلاقية.
بعدها بشهر واحد؛ اتخذت الحكومة الموريتانية قرارًا مفاجئًا يخالف نفي الرئيس ويخالف الوعود التي أعطاها الأمن لعائلة السنوسي بعدم تسليمه بعد انتهاء التحقيقات معه والتي شاركت فيها دول عدة. كان أغلب المراقبين يؤكدون وجود مؤشرات على وجود صفقة كبرى عقدتها موريتانيا مع الحكومة الليبية برئاسة عبد الرحيم الكيب، يتم بموجبها تسليم السنوسي مقابل مبلغ مالي ضخم.
لكن الرئيس ولد عبد العزيز ظهر مرة أخرى نافيًا وجود أي صفقة من هذا القبيل، ومؤكدًا أن السنوسي تم تسليمه مقابل ضمانات بتوفير محاكمة عادلة له. غير أن الرئيس ولد عبد العزيز نفسه سيظهر مرة أخرى ليشير إلى أن موريتانيا تسلمت مبلغًا مقابل تسليم السنوسي، قال ولد عبد العزيز لأحد الصحفيين حين سأله عن المقابل المالي: "لو كانت الخزينة فارغة لانتقدتم الحكومة أيضًا".
اليوم قطع البرلماني الليبي عبد الفتاح بورواق الشلوي الشك باليقين في صفقة بيع موريتانيا السنوسي للحكومة الليبية مقابل 200 مليون دينار ليبي (مايعادل 60 مليار أوقية موريتانية). هذه الفضيحة الأخلاقية شكلت صدمة كبرى للمتابعين للملف؛ وأثارت الكثير من التساؤلات أهمها أين ذهب المبلغ الذي تسلمه المفاوضون الموريتانيون مقابل تسليم السنوسي؟!
لا أحد بإمكانه الإجابة على السؤال بشكل دقيق سوى الرئيس ولد عبد العزيز؛ لكن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن المبلغ تم سحبه من الخزينة العامة للدولة بعد إدراجه ضمن ميزانية البلاد لعام 2012. وزير المالية آنذاك تيام جمبار أجاب عن سؤال لعضو مجلس الشيوخ القطب ولد محمد محمود حول مصير المبلغ الذي اختفى من جدولة الميزانية شهر كانون الأول/ديسمبر؛ بالقول إنه تم سحبه للمحافظة عليه!
اختفاء المبلغ الذي ظهر على شكل عجز في الميزانية، كشف عن ما يشبه عملية تبييض للأموال عن طريق الخزينة العامة للدولة، وهو ما يفتح الباب أمام الاعتقاد بإن تبييض أثمان شحنات المخدرات بعد مصادرتها أمر وارد.
أمام هذه الصفقة المشبوهة والاحتيال باسم الدولة الموريتانية؛ سيكون الحديث عن الموقف الأخلاقي من تسليم السنوسي ضربًا من الهزل.
سيد المختار / صحفي موريتاني / لموقع صوت الترا