سياسة المقاطعة، أو المقعد الشاغر، سياسة فاشلة، لكن ليس أكثر فشلا منها سوى سياسة الانسحاب الاستعراضي، وهو أسلوب يلجأ إليه عادة بعض السياسيين المنسيين، من أجل لفت الانتباه إليهم، وتسجيل موقف نشاز، يجعلهم عرضة لبريق الإعلام، باعتبار أن الصحافة تبحث عن الإثارة، والأمور المخالفة للسياق العام، حيث يعمد هؤلاء إلى الحضور، ثم الانسحاب، تحت حجج مختلفة.
من هؤلاء السياسيين المنسيين، والباحثين عن الصدارة، والبريق الإعلامي النائب البرلماني محمد غلام ولد الحاج الشيخ، الذي أقدم على تصرف أساء إلى مكانة الشعب الموريتاني، باعتباره شعبا يفتخر بقيم العروبة، والشهامة، وكرم الضيافة، والتواضع، والإيثار، وهي مبادئ داس عليها محمد غلام، عندما انسحب من حفل استضافة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في قصر المؤتمرات مساء أمس الجمعة، وبرر محمد غلام انسحابه بأعذار هي أقبح من الذنب.
فزعمه أن المقاعد الأمامية لم تخصص للبرلمانيين، وذلك إهانة لهم، أمر سخيف، ومردود عليه، وغير مقنع، بدليل أن زملاءه في الجمعية الوطنية لم يبرحوا أماكنهم، وتركوه ينسحب لوحده بصمت، فهل الرجل أكثر غيرة على كرامة النواب من النواب أنفسهم ؟ وإذا كان قد نصب نفسه لاتخاذ القرارات باسم النواب، فهل استشارهم، ونسق معهم قبل إقدامه على الانسحاب ؟؟ّ.
معلوم أنه في الأعراف الدبلوماسية، وقبل ذلك في عادات، وتقاليد الشعب الموريتاني يعتبر الضيف ملكا، ويقدم في كل معروف، ويمنح أفضل مكانة في البيت، وأكثرها أريحية، فصاحب المنزل يتنحى ليترك لضيفه المكان المناسب، لكن محمد غلام لم يكتف بسوء الضيافة فحسب، بل حرص على إعطاء صورة سيئة عن البرلمان، وبالتالي عن الشعب الموريتاني، عندما احتج، وانسحب لأنهم لم يمنحوه المقعد الأمامي، ومنحوه لأحد كبار موظفي الأمم المتحدة.
أين ترك محمد غلام – وهو الواعظ الديني- قوله تعالى: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أين هو الإيثار ؟ وأين ترك ولد الحاج الشيخ القيم، وخاصة كرم الضيافة- وهو الخطيب البليغ- وقول الشاعر:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا @ نحن الضيوف وأنت رب المنزل
أنت إذا بهذا التصرف – يا غلام- لا تمثل إلا نفسك، أو حزبك، فلا تمثل النواب، بدليل أنهم لم ينسحبوا معك، وأنت نائب رئيسهم، ولا تمثل الشعب الموريتاني الذي لا يعامل ضيوفه هكذا، خاصة إذا كانوا ضيوفا يمثلون جميع شعوب العالم.
ربما كان محمد غلام يهدف من وراء تصرفه المشين هذا إلى تحقيق أمرين:
الأول: إحراج الحكومة الموريتانية، فأحرج نفسه، وفضح حزبه، وظهر بمظهر من يبحث عن صدارة غير مستحق، يجدها، وإلا ينسحب.
الثاني: الحصول على اهتمام الصحفيين، وهذا قطعا لم يحصل، فحتى منابر تواصل الإعلامية تجاهلت انسحاب محمد غلام من حفل بان كي مون، ولم تكتب عنه شطر كلمة، وجنود الفيسبوك لم يعيروه أي اهتمام، ربما لكونهم تعبوا من شطحات هذا الرجل المتهور، وغريب الأطوار، فخرج الرجل من قصر المؤتمرات وحيدا، بصمت، يجر ذيول " صوع الخطار" وطموح التصدر .
اكتمل الحفل إذا بدون محمد غلام، فالرجل – كما يبدو- من القوم، الذين قال فيهم الشاعر:
ويُـقضى الأمر حين تغيب تيـم @ ولا يستأذنون وهم شهود
وحققت موريتانيا نصرا دبلوماسيا، بإنجاح زيارة أرفع مسؤول دولي، ونجحت الحكومة في ضبط الزيارة، وتمريرها كما هو مخطط لها، وغادر بان كي مون يحمل معه ذكريات طيبة عن شعب موريتانيا، ورئيسها، وحكومتها، ويحمل معه صورة ذلك الرجل، أو بالأخرى " الغلام" الذي أهان هيبة الأمم المتحدة، بالانسحاب من حضرة أمينها العام، بسبب مقعد !! ومعلوم أن الانسحاب، بعد الحضور، يعني في الأعراف الدبلوماسية خطوة احتجاج على الحاضرين، خاصة وأن الحفل تنظمه الأمم المتحدة، وهي من تحدد ترتيب الحاضرين،ونوعيتهم.
للتذكير فإن أسلوب الهروب، أو الانسحاب ليس غريبا على محمد غلام، فقد سبق وأن انسحب من برنامج تلفزيوني في إحدى الفضائيات المحلية، بعد أن أفحمه محاوره، كما يقوم بتصرفات غريبة تحت قبة البرلمان، أقلها شأنا هو الانسحاب.
سعدبوه ولد الشيخ محمد